للوعد الضمني الذي يلوح به. ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)﴾؛ أي: لا تبقي شيئًا يلقى فيها إلا أهلكته بالإحراق، وإذا هلك لم تذره هالكًا حتى يعاد خلقًا جديدًا، فتهلكه إهلاكًا ثانيًا، وهكذا أبدًا، كما في قوله: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ﴾ إلخ. أو المعنى: لا تبقي على شيء؛ أي: لا تترحّم عليه ولا تدعه من الهلاك، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة، لأنها خلقت من غضب الجبّار. وقيل: لا تبقي حيًّا ولا تذر ميّتًا كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)﴾.
٢٩ - ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)﴾؛ أي: محرقة لظاهر البشرة، وأعلى الجلد، ومغيّرة لها مسوِّدة لونَها مشوّهةً لها؛ أي: تلفح الجلد لفحة تدعه أشد سوادًا من الليل. قال ابن عباس: تلوح الجلد فتحرقه، وتغيّر لونه، يقال (١): لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسوّدته، ولاحه السقر أو العطش إذا غيّره. وذلك أنّ الشيء إذا كان فيه دسومة نضر، فإذا أحرق أسودّ. والبشر: جمع بشرة، وهي ظاهر جلد الإنسان. فإن قلت: لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)﴾.
قلت: ليس في الآية دلالة على أنها تفني بالكلية مع أنه يجوز أن يكون الإفناء بعد التسويد. وقيل: لامحة للناس على أنّ ﴿لَوَّاحَةٌ﴾ بتاء مبالغة من لاح يلوح؛ أي: ظهر، وأن البشر بمعنى الناس. قيل: إنها تلوح للبشر من مسيرة خمس مئة عام، فهو كقوله تعالى: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)﴾. فيصل إلى الكافر سمومها وحرورها، كما يصل إلى المؤمن ريح الجنة نسيمها من مسيرة خمس مئة عام.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لَوَّاحَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي لوّاحة، وقيل: على أنه نعت لـ ﴿سَقَرَ﴾، والأول أولى. وقرأ الحسن، وعطية العوفيّ، وزيد بن علي، وابن أبي عبلة، ونصر بن عاصم، وعيسى بن عمر ﴿لواحةً﴾ بالنصب على الحال، أو الاختصاص للتهويل، فتكون حالًا مؤكّدة؛ لأنّ النار التي لا تبقي ولا تذر لا تكون إلّا مغيّرة للأبشار.
٣٠ - ﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على سقر ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾؛ أي: ملكًا يتولّون أمرها، ويتسلّطون على أهلها. وهم مالك وثمانية عشر معه. قال المفسرون: يقول الله سبحانه: على
(٢) الشوكاني.