يعني: أن في تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله، ولا ترى مثل نفار حمر الوحش واطّرادها في العدّو إذا خافت من شيء، ومن أراد إهانة غليظة لأحد والتشنيع عليه بأشنع شيء شبهه بالحمار.
والمعنى: كأن هؤلاء المشركين في فرارهم من محمد - ﷺ - ومن استماع القرآن حمر وحشية هاربة من رماة يرمونها ويعقرونها لصيدها وافتراسها.
٥٢ - ثم بين أنهم بلغوا في العناد حدّا لا يقبله عقل ولا يستسيغه ذو نفس حاسّة، فقال: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ معطوف على مقدّر يقتضيه المقام، كأنّه قيل: لا يكتفون بتلك التذكرة، ولا يرضون بها عنادًا ومكابرةً، بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى قراطيس تنشر وتقرأ، وذلك أنهم؛ أي: أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأصحابهما قالوا لرسول الله - ﷺ -: لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء، أو يصبح عند رأس كل رجل منا أوراق منشورة عنوانها من رب العالمين إلى فلان بن فلان، نؤمر فيها باتباعك؛ أي: بأن يقال: أَتبع محمدًا فإنه رسول من قبلي إليك، كما قالوا: ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾. والمرء: الإنسان أو الرجل، ولا يجمع من لفظه. والصحف: جمع صحيفة، وهي الكتاب. والمنشرة: المنشورة المفتوحة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿صُحُفًا﴾ بضم الصاد والحاء. وقرأ سعيد بن جبير بإسكان الحاء. وقرأ الجمهور ﴿مُنَشَّرَةً﴾ بالتشديد، وقرأ سعيد بن جبير بالتخفيف، من نشّر وأنشر، مثل: نزَّل وأنزل.
والمعنى: أي هم قد بلغوا في العناد حدًّا لا تجدي معهم فيه التذكرة، فكل واحد منهم يريد أن ينزل عليه كتاب مفتوح من السماء كما أنزل على نبيّه - ﷺ -.
٥٣ - ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة، وزجرهم فقال: ﴿كَلَّا﴾ ردع لهم وزجر عن اقتراحهم الآيات وإرادتهم ما أرادوه، فإنهم إنما اقترحوها تعنّتًا وعنادًا لا هدى ورشادًا؛ أي: فهم لا يؤتونها. وقيل: ﴿كَلَّا﴾ بمعنى حقًّا. ثم بين سبحانه سبب هذا التعنت والاقتراح، فقال: ﴿بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾؛ أي: عذاب الآخرة