التغابن ٤ ﴿
{بسم الله الرحمن الرحيم﴾

﴿يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي ينزهُهُ سبحانَهُ جميعِ ما فيهما من المخلوقاتِ عمَّا لا يليقُ بجنابِ كبريائِه تنزيهاً مُستمراً ﴿لَهُ الملك وَلَهُ الحمد﴾ لا لغيرِه وإذ هو المُبدىءُ لكلِّ شيءٍ وهو القائمُ به والمهيمنُ عليهِ وهو المُولِي لأصولِ النعمِ وفروعِها وأما ملكُ غيرِهِ فاسترعاءٌ من جنابِهِ وحمد غيره اعتداد بأنَّ نعمةَ الله جرتْ على يدِه ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ لأن نسبةَ ذاتِهِ المقتضيةَ للقدرةِ إلى الكلِّ سواءٌ
﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ﴾ خلقاً بديعا حاويا لجميع مبادىء الكمالاتِ العلميةِ والعمليةِ ومع ذلكَ ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ﴾ أي فبعضُكم أو فبعضٌ منكُم مختارٌ للكفرِ كاسبٌ له على خلافِ ما تستدعيهِ خلقتُه ﴿وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ مختارٌ للإيمانِ كاسبٌ له حسبما تقتضيهِ خلقتُه وكان الواجبُ عليكم جميعاً أن تكونُوا مختارينَ للإيمانِ شاكرينَ لنعمةِ الخلقِ والإيجادِ وما يتفرَّع عليها من سائرِ النعمِ فما فعلتُم ذلكَ مع تمامِ تمكنِكُم منهُ بل تشعبتُم شعباً وتفرقتُم فرقاً وتقديمُ الكفرِ لأنه الأغلب فيما بينَهُم والأنسبُ بمقامِ التوبيخِ وحملُه على مَعْنَى فمنكم كافر مقدرة كفرُه موجهٌ إليهِ ما يحملُه عليهِ ومنكُم مؤمنٌ مقدرٌ إيمانُهُ موفقٌ لما يدعُوه إليهِ مما لا يلائمُ المقامَ ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكُم بذلكَ فاختارُوا منه ما يجديكُم من الإيمانِ والطاعةِ وإياكُم وما يُرديكم من الكفرِ والعصيان
﴿خلق السماوات والأرض بالحق﴾ بالحكمةِ البالغةِ المتضمنة للمصالح الدينينة الدنيوية ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ حيثُ براكم في أحسن تصوير وأودعَ فيكُم من القُوى والمشاعرِ الظاهرةِ والباطنةِ ما نيط بها عن الكمالاتِ البارزةِ والكامنةِ وزينكُم بصفوةِ صفاتِ مصنُوعاتِهِ وخصَّكُم بخلاصةِ خصائصِ مُبدِعَاتِهِ وجعلَكُم أنموذجَ جميعَ مخلوقاتِهِ في هَذه النشأة ﴿وَإِلَيْهِ المصير﴾ في النشأة الأخرة لا الى غيره استلالا أو اشتراكاً فأحسِنُوا سرائركُم باستعمالِ تلكَ القُوى والمشاعرِ فيا خُلقنَ لَهُ
﴿يعلم ما فِى السماوات والأرض﴾ من الأمورِ الكليةِ والجزئيةِ والأحوالِ الجليةِ والخفيةِ


الصفحة التالية
Icon