٧١ سورة نوحٍ عليه السَّلامُ (١ ٤)
سورة نوحٍ عليه السَّلامُ مكية وآياتها ثمان وعشرون
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم﴾
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ﴾ أي بأنْ أنذرْهُم على أنَّ أنْ مصدريةٌ حُذِفَ منها الجارُّ وأُوصلَ إليها الفعلُ فإنَّ حذفَهُ معَ أنَّ وأنْ مطردٌ وجُعلتْ صلتِها أمراً كما في قولِهِ تعالَى وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لأنَّ مدارَ وصلِهَا بصيغِ الأفعالِ دلالتُها على المصدرِ وذلكَ لا يختلفُ بالخبريةِ والإنشائيةِ ووجوبُ كونِ الصلةِ خبريةً في الموصولِ الاسميِّ إنَّما هُو للتوصلِ إلى وصفِ المعارفِ بالجملِ الخبريةِ وليسَ الموصولُ الحرفيُّ كذلكَ وحيثُ استوى الخبرُ والإنشاءُ في الدلالةِ على المصدرِ استويا في صحةِ الوصلِ بهما فيتجردُ عند ذلكَ كلٌّ منهُمَا عن المَعْنَى الخاصِّ بصيغتِهِ فيبقَى الحدثُ المجردُ عن مَعْنَى الأمرِ والنَّهيِ والمُضيِّ والاستقبالِ كأنَّه قيلَ أرسلنَاهُ بالإنذارِ وقيلَ المَعْنَى أرسلناهُ بأنْ قُلْنَا لهُ أنذرْ أي أرسلناهُ بالأمرِ بالإنذارِ ويجوزُ أن تكونَ أنْ مفسرةً لما في الإرسالِ من معنى القولِ فلا يكونُ للجملةِ محلٌّ من الإعرابِ وعلى الأولِ محلُّها النصبُ عند سبويه والفرَّاءِ والجرُّ عند الخليلِ والكِسَائيِّ كما هُو المعروفُ وقُرِىءَ أنذرْ بغيرِ أنْ على إرادةِ القولِ ﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ عاجِلٌ أو آجِلٌ لئلاَّ يبقَى لهُم عذرٌ مَا أصلاً
﴿قال﴾ استئناف مبني على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ إرسالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالوجهِ المذكورِ كأنَّه قيلَ ما فعلَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام فقيلَ قالَ لهُم ﴿يا قوم إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ منذرٌ موضحٌ لحقيقةِ الأمرِ وقولُهُ تعالَى
﴿أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ﴾ متعلقٌ بنذيرٌ على الوجهينِ المذكورينِ
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ﴾ أي بعض ذنوبكم وهو ما سلفَ في الجاهليةِ فإنَّ الإسلامَ يجبُّه ﴿وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو الأمدُ الأقصَى الذي قدَّرَهُ الله تعالَى لهم بشرطِ الإيمانِ والطاعةِ وراءَ ما قدَّرَهُ لهُم على تقديرِ بقائِهِم على الكفرِ والعصيانِ فإنَّ وصفَ الأجلِ بالمسمَّى وتعليق تأخيرهم اليه


الصفحة التالية
Icon