سورة إبراهيم (عليه السلام)
الآية الأولى منها: غ - قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم: ١). وفي سورة الحج: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج: ٢٤)، وفي سورة سبأ: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (سبأ: ٦)، فورد في هذه السور الثلاث ذكر الصراط مضافاً في السورتين منها إلى العزيز من أسمائه تعالى ثم أتبع الحميد، واقتصر في سورة الحج على إضافة اسمه الحميد، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عنه، والله أعلم: أن آية إبراهيم، عليه السلام، لما ورد فيها قوله تعالى لنبيه، عليه السلام: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، وكان السابق من مفهوم هذا أن ذلك الأمر بيده، عليه السلام، وقد قال له تعالى: (يْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران: ١٢٨)، وقال: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) (الشورى: ٤٨)، وقال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص: ٥٦)، فلما كان السابق من مفهوم آية إبراهيم كما ذكر أشار وصفه تعالى بالعزيز إلى قدرته تعالى وقهره، وأنه لا يكون من العباد إلا ما سبقت به إرادته التي لا يخرج واقع عن خكمها، وتعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، ولو شاء لهدى الكل، قال تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) (السجدة: ١٣)، فأحرز الوصف بالعزة هذا المعنى العظيم، ولو لم يرد هذا الوصف لما تحرر هذا المقصود، وكذلك الوارد في قوله في آية سبأ: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) (سبأ: ٦)، والرؤية هنا بمعنى العلم والحق مفعولها الثاني والضمير فصل لا موضع له من الإعراب. وحال أن يرى من وصفه تعالى بالعلم حكم الله تعالى في خلقه جارياً إلا على ما يشاؤه ويريده، إنه لو شاء لجمعهم على الهدى، فهذه الآية كأية إبراهيم من غير فرق، فوصفه سبحانه بالعزة تمام مقصودها كالمتقدمة، وليس للمدعوين إلا ما سبقت به إرادته تعالى، ولا بيد نبيه، عليه السلام، إخراجهم ولا هداهم، ولم يرد في هاتين الآيتين أن الإخراج من الظلمات إلى النور والهداية مما وقع وانقضى، وإنما مقتضى الآيتين رجاء إجابتهم وهدايتهم (عند دعائه، عليه السلام، ثم


الصفحة التالية
Icon