سورة طه
الآية الأولى منها، وما يتعلق بها، وما يرجع إلى معناها، ويتم به ما يتصل بها، قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طه: ٩ - ١٨)، وفي سورة النمل: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) (النمل: ٧ - ٨) إلى قوله: (وَأَلْقِ عَصَاكَ) (النمل: ١٠).
وفي سورة القصص: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ) (القصص: ٢٩ - ٣١)، هذه الآي من مشكلات الضرب (الثاني) الذي بنينا عليه مقصود هذا الكتاب، لأن محصولها الإخبار عن ابتداء أمر موسى، عليه السلام، في رسالته، وتكليم الله سبحانه إياه، وهو خبر واحد عن قصة واحدة قد وقعت وعين وقوعها ما وقعت عليه من الصفة التي التحدت بوقوعها وتبينت، فلا يمكن فيها العدول عما وقعت عليه، فكيف هذا الواقع الوارد في السورتين (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارً) ولم يقع لفظ امكثوا في سورة النمل؟ وفي السورتين: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا) وفي النمل: (سَآتِيكُمْ مِنْهَا) فورد: سآتيكم عوض: لعلي؟ وفي طه (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) وفي النمل: (بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، فقدم ذكر القبس في طه وآخر في السورتين، ثم اختلف التعبير عنه، فعبر عنه في القصص: (جَذْوَةٍ) وعوض في النمل فقيل (بِشِهَابٍ) مضافاً إلى القبس وكرر: (أَوْ آتِيكُمْ) في النمل ولم يقع ذلك في غيرها؟ وأفصح في السورتين الأخيرتين بالحاجة إلى النار وهو الاصطلاء ولم يقع ذلك في طه جملة؟ وعبر عن الخبر في طه بقوله: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ


الصفحة التالية
Icon