سورة القتال
الآية الأولى منها: غ - قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: ٩)، وفيما بعد من هذه السورة: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (محمد: ٢٦)، للسائل أن يسأل عن وجه ورود (أنزل) في الأولى وفي الثانية (نزّل) مضعفاً؟
والجواب، والله أعلم: أن ذلك مفهوم مما تقدم في (أول) سورة آل عمران باعتبار ما يخص هذه السورة، وهو أن المتقدم من أول هذه السورة إلى قوله بعد الآية المتكلم فيها: (وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (محمد: ١١) يقصد ممن تضمنته هذه الآي من الكفار غير مشركي العرب من قريش وغيرهم، ولا شك أن كفرهم منسحب على كل المنزل من القرآن وما تقدم نزوله من التوارة وغيرها من الكتب، فلم يكن ليلائم ذلك عبارة نزّل المبينة عن تنجيم المنزّل، ولم ينزّل كذلك غير القرآن، وهم ينكرون كل الكتاب المنزلة ويكرهونها فقيل هنا: (كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
أما الآية الثانية فالمراد بها ذوو النفاق والمرتدون على أدبارهم، ويبين ذلك ما تقدمها من قوله تعالى: (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (محمد: ٢٠)، وهؤلاء هم المنافقون، ولم يقع فيما بعد عدول عنهم إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ) (محمد: ٢٥) وإنما هؤلاء قوم كفروا بعد؟ إسلامهم، وهم القائلون بمقتضى نفاقهم وما أبطنوه من الكفر لغيرهم (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (محمد: ٢٦)، ولهؤلاء اطلاع على المنزّل من القرآن وخصوص كراهية له، وهي المهيجة لنفاقهم، فهو الذي كرهوه حقيقة فقيل هنا: (كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّه) بلفظ التضعيف إذ الإشارة إلى القرآن، وهذه صفته أعني ما يشيير إليه التضعيف من التنجيم في النزول، فكل من الموضعين وارد على أنسب نظام وأتمه.
الآية الثانية: غ - قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا) (محمد: ٢٠)، (ثم قال): (فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ)، فورد الفعل ألولاً مضاعفاً وثانياً غير مضعف؟
ووجه ذلك، والله أعلم: أن المؤمنين هم الذين يودون نزول السورة، وطلبهم


الصفحة التالية
Icon