سورة الفتح
الآية الأولى منها - قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح: ٤)، ثم قال بعد: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (الفتح: ٧)، للسائل أن يسأل عن تعقيب جنود السماوات في الآية الأولى بقوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) وتعقيب الثانية بقوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الآية الثانية لما تقدمها قوله تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (الفتح: ٥ - ٦)، ناسب هذا المتقدم، من فعله تعالى بالفريقين، من مجازاة المؤمنين بالنعيم المقيم، وتعذيب المنافقين وغضبه عليهم ولعنهم وإعداده لهم جنهم، وَصفُه تعالى بالعزة ليعلم أنه سبحانه لا مغالب له وأن الكل تحت قهره، إذ لعزته يفعل في الكل ما يريده وما تقتضيه حكمته، إذ هو العزيز في ملكه الحكيم في أفعاله.
ولما لم يتقدم لاآية المتقدمة ما يقتضي القصر كهذه، وإنما قبلها قوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح: ٤)، وهذا تعريف بإنعامه سبحانه ورحمته، فأعلم سبحانه أنه العليم بمن يرحمه، كما قال تعالى: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) (الإسراء: ٥٤)، وقال تعالى: (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: ١٢٥)، وقال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: ١٢٤)، وجاء كل من الآيتين على ما يجب، والله أعلم.
الآية الثانية: غ - قوله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا) (الفتح: ١١)، وفيما بعد منها: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) (الفتح: ١٥)، ففي الآية الأولى إفراده، عليه السلام، بخطابهم له في قوله تعالى افصاحاً بحرف الخطاب: (لك) ولم يرد ذلك في الثانية؟


الصفحة التالية
Icon