سورة المنافقين
قوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) (المنافقين: ٧)، ثم قال تعال: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقين: ٨)، للسائل أن يسأل عن نفي الفقه عنهم أولاً ونفي العلم في الآية الثانية؟ وهل كان يمكن وقوع ما نفي في الأولى منفياً في الثانية ووقوع ما نفي في الثانية في الأولى؟
والجواب، والله أعلم: أن الاعتزار بالدين والاطلاع على تشريف المؤمن به واعتزازه بسببه أمر لا يوصل إليه إلا بعلم ويقين لا طريق لمنافق إليه ما دام على نفاقه، وإنما يعلمه ويصل إلى رحمة الله به المؤمن العالم حق العلم بما منح الله المؤمنين، من الاعتزاز بدينه سبحانه، والاعتصام بإتباع نبيه صلي الله عليه وسلم، والتمسك بما جاء به، فنفي ذلك عن المنافقين بين لا خفاء فيه، ولا يناسب سواه. وأما ما رامه من قطع الرفد والإنفاق وما يرجع إلى ذلك عن المؤمنين حتى يتفرقوا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ويفردوه، فإن ذلك أمر لو تثبتوا فيه مع كفرهم ونفاقهم وأمعنوا النظر لعلموا بجري العادة أن أرزاق العالم لا تتوقف على منع مانع منهم، بل مشيئة جميعهم في هذا غير نافذة، وأن وصول أرزاق العباد إليهم أمر ليس لمخلوق (فيه) كنزول المطر وإرسال الرياح، وذلك مما لا طمع لمخلوق في إرساله ولا إمساكه. فلو فقه المنافقون، وتفهموا السنة الجارية لما فاهوا بمقالهم، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)، فنفي الفقه عنهم هنا أنسب شئ، فلا يلائم وقوع أحد المنفيين في موضع الآخر، والله أعلم.
****