سورة الطلاق
الآية الأولى - قوله تعالي: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: ٢ - ٣)، ثم قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرً) (الطلاق: ٤) ثم قال بعد: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (الطلاق: ٥) للسائل أن يسأل عن تكرر الأمر بتقواه تعالى أثناء ما ذكره سبحانه من الطلاق والعدة وما يرجع إليهما؟ وعن وجه تخصيص هذا العدد والجزاء على ذلك بقوله في الأولى: (يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) وفي الثانية (يجعل له من أمره يسرا) وفي الثالثة: (يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا).
ويمكن أن يجاب عن ذلك، والله أعلم: بأن الأوامر التى دارت عليها هذه السورة وبنيت عليها ثلاثة، الأول: الأمر بالمحافظة على إيقاع الطلاق إذا ضمت إليه الضرورة في وقته لاستقبال العدة حتى لا يقع إضرار بالمطلقة بتطويل عدتها. والثاني: الأمر بإحصاء العدة والمحافظة عليها، وألا تخرج المعتدة من بيتها حيث وقع عليها الطلاق ولا تبيت عنه، إلى ما يرجع إلى هذا، والثالث: إنفاذ ما يقع الاعتماد عليه في إمساك أو مفارقة، من حسن الصحبة والجميل العشرة إن اعتمد الإمساك (أو بالإمتاع) والتلطف رعياً لما تقدم من الصحبة إن عول على المفارقة، فعلى هذه القضايا الثلاث بناء هذه السورة، وعلي الوعظ في ذلك والتأكيد بالتزام تقوي الله والتزام ما حد سبحانه فيما ذكر. ولرعي هذه الأوامر الثلاثة ما ورد الإخبار بجزاء من اتقاه سبحانه في ثلاث كرات، فبإزاء أول قضية من أوامر السورة قوله تعالي: " ومن يتق الله "، أي في إيقاع الطلاق في محله ووقته كما أوضح صلي الله عليه وسلم في قضية عبد الله بن عمر المشهورة، " يجعل له مخرجاً " بحكمه نفسه إن لحقه ندم كما قال تعالي: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق: ١) أي من تقلب الأحوال وصيرورة البغض ودا فيجد السبيل إلى المراجعة سهلاً بالتزامه الوجه الجاري على السنة وأخذه بالطاعة فينشرح صدره بتيسير أمره ويكثر رزقه بتقوى ربه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق٢ - ٣)، ومن يتق الله في صبره أيام العدة على ما يلزمه من نفقة وسكنى - حيث يلزم ذلك وإن طالت الأيام - فكأن طولها مع ما يتكلفه فيها مظنة للضجر وكرب


الصفحة التالية
Icon