سورة الملك
قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك: ١٦ - ١٧)، للسائل أن يسأل عن وجه تقديم التوعد (بخسف الأرض على التوعد) بإرسال الحاسب من السماء؟ ولم اختير تقديم الوعيد بالخسف؟ وما الفرق بين الوارد هنا والوارد في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (الأنعام: ٦٥)؟
والجواب: والله أعلم: أنه لما تقدم ما اتصل به التوعد من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) (الملك: ١٥) فحضر في النفوس عند ذلك وتقرر تذكرة هذه النعمة وجليل الامتنان بها شاهداً حاضراً للمتذكر وعليها قراره حال تذكرة وتنعمه بالتقلب فيها حين خطابه متصلاً غير منفصل وملتصقاً غير متباعد كان أنسب شئ لهذه في الموعظة تذكيرة اتعاظاً بخسفها من تحته، حتى كأن ذلك الأمر جاء منه لا من خارج عنه.
أما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (الأنعام: ٦١)، فصرف هذا الخطاب تفكر النفس في عين الجهة التى ذكر منها القهر، فكان أنسب شئ ذكر التخويف من تلك الجهة بخلاف آية الملك. فكل آية من هاتين (الآيتين) تبين حال الأخرى، وإن التناسب إنما هو فيما وردت عليه كل آية منهما، وإن العكس غير مناسب، والله أعلم.
****


الصفحة التالية
Icon