سورة القلم
قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم: ١٠ - ١١) إلى قوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ*سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (القلم: ١٥ - ١٦)، وقال في سورة المطففين: (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (المطففين: ١١ - ١٢) إلى قوله: (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطفيين: ١٣ - ١٤)، للسائل أن يسأل عن التعقيب في الأولى بقوله: (سنسمه على الخرطوم) وفي الثانية بقوله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) مع اتحاد وصف من اعقب بهذا المعقب حاله وحكي مقاله؟ وهل كان يجوز تعقيب آية سورة القلم (بما أعقبت به آية التطفيف وآية التطفيفي بما أعقبت به آية القلم)؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية القلم نزلت في شخص بعينه، قيل هو الأخنس بن شريق، وقيل الوليد بن المغيرة وكان مظهراً لعداوة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو القائل: سأنزل مثل ما أنزل الله، وكان من أكثر قريش مالاً وولدا، فلهذا قيل فيه: (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ) (القلم: ١٤)، وهو القائل يوم مات إبراهيم ابن النبي صلي الله عليه وسلم: أصبح محمد أبتر، أي لا ولد له، فأنزل الله تعالى علي رسوله صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر: ٣)، والشانئ المبغض. وأسلم ولده فقطعه الله بالإسلام عنه، فكان هو الأبتر كما أخبر الله نبيه، وصار أولاده في عداد المسلمين الذين هم أولاد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأزواجه أمهاتهم، ففي هذا نزلت الآية من قوله: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (القلم: ١٠ - ١٢) إلى آخرها، فأغنى استيفاء صفاته المذمومة عن تعيين اسمه بقوله سبحانه: (سنسمه على الخرطوم) إخبار منه تعالى بأول عقاب ينزل بعدو الله المذكور - والخرطوم الأنف - فكان ذلك يوم بدر، فهذا وعيد لخاص معين أنزل به معجلة، ولعذاب الآخرة أكبر.
وأما آية المطففين فليست في معينين بغير مرتكباتهم قال تعالى: (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ) (المطففين: ١٢) أي بيوم الدين وهو يوم الجزاء (إلا كل معتد أثيم) مكذب بالوحي،


الصفحة التالية
Icon