سورة الإنشقاق
قوله فيها: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (الإنشقاق: ٢)، وتكرر ذلك بعد لا سؤال فيه لأن كل واحد من الإخبارين معقب به غير ما أعقب به الآخر، فالأول إخبار عن السماء في طاعتها وانقيادها، والآخر إخبار عن الأرض بمثل ذلك، وإن كل واحدة منهما سمعت وانقادت، انفطرت السماء وتشققت وانتثرت نجومها، وأزيلت الجبال عن الأرض فامتدت وألقت ما تحمله من الأموات وغير ذلك مما استودعته من المعادن والكنوز وتخلت عنها سامعة مطيعة، وإن كان الإخبار الأول عن السماء والآخر عن الأرض فلا تكرار.
آية ثانية منها قوله (تعالى): (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) (الإنشقاق: ٢٢ - ٢٣)، وفي سورة البروج: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) (البروج: ١٩ - ٢٠)، للسائل أن يسأل عن اختصاص الأول بقوله: " يكذبون " بلفظ المضارع والثانية بقوله: (في تكذيب) بلفظ المصدر مع اتحاد المعنى المقصود؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الانشقاق تقدمها وعيد أخراوي كله لم يقع بعد وهم مكذبون بجميعه، فجئ هنا باللفظ المقول على الاستقبال - وإن كان يصلح للحال - ليطابق الإخبار، لأنه عما يأتى ولم يقع بعد، فجئ بما يطابقه في استقباله. فأما آية البروج فقد تقدمها قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (البروج: ١٧ - ١٨)، وحديث هؤلاء وأخذهم بتكذيبهم قد تقدم ومضى زمانه، وهؤلاء مستمرون على تكذيبهم فقيل: (في تكذيب)، وجئ بالمصدر ليحرز تماديهم وأن ذلك شأنهم أبداً فيما أخبرهم به وفيما يدعوهم إليه وينهاهم عنه، ولفظ المصدر أعطى لما قصد من هذا من لفظ المضارع، فجئ في كل من الآيتين بما يناسب.
******