سورة الفلق
قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق: ٣ - ٥)، للسائل أن يسأل عن التقييد بالظرف في قوله تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب) وفي قوله: (ومن شر حاسد إذا حسد) فلم تقع الاستعاذة من شر هذين بتقييد الوقوب في الغاسق ووقع الحسد من الحاسد ويطلق حكم الاستعاذة من شر النفاثات وهن الساحرات، ولم يقل إذا نفثن أو سحرن فيقيد كما قيد ما قبل وما بعد، فما الفرق؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن قوله سبحانه في سورة: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه: ٦٩)، إطلاق حاكم بتماديه وتمادي حكمه على تلك الصفة المذمومة، فلم يكن التقييد في آية الفلق لو قيل: إذا كذا ليطابق ما ورد في سورة طه من الإطلاق. ثم إن السحر كفر، وقد ذكر سبحانه قول الملكين للطالب تعلمه: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) (البقرة: ١٠٢) أي بتعلم السحر، (ولا بسحركم سحر الساحر ولا يسمي ساحراً إلا باعتقاد. فتبين أن السحر شر مطلق)، فورد التعوذ منه مطلقاً غير مقيد بوقوع أو () وتأثير الكواكب وذلك كفر، وما أجرى الله سبحانه من التأثير في العالم عند تلاقيها وتقابلها وتنازرها وما في ذلك من تفصيل التناظر، كل ذلك فعل الله سبحانه ولا تأثير إلا له جل وتعالى، (ويقتل الساحر ولا استتابة) في قول.
أما الغاسق فإن الليل إذا أظلم، وليس الشر منه بما هو ليل مظلم إنما هو ستر لذوي الشر لاحتجابهم بظلمته عن أعين الناس فيوقعون فيه شرهم، فالشر فيه لا منه. ألا تري أنه لأهل الخير رحمة ونعمة، وكذلك لكل من لا يترصده لشر، قال تعالى: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (القصص: ٧٣) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار. وتردد ذكر الليل في غير ما آية في كتاب الله معدودا في نعم الله تعالى على عباده، وهو شقيق النهار في تلك. ثم إنه من حيث هو لباس وستر عن الأعين فيمكن فيه لأهل الشر ما لا يمكنهم في نهارهم، فيستحكم فيه


الصفحة التالية
Icon