المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن والاه.
وبعد: فإن أكثر ما قامت عليه الحضارات البشرية كلها مردّه إلى التعاليم الإلهية التى جاءت بها النبوات الكبرى منذ العصور الأولى للإنسان.
وقد ختمت هذه النبوات، وتبلورت مفاهيمها، ووضحت صورتها تمام الوضوح ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلم بالإسلام.
وقد كان لبعثته صلّى الله عليه وسلم فاتحة عهد جديد لظهور أمة جديدة ختمت بها الأمم، أرست قواعدها وأركانها الأساسية، وأقامت جذورها، على «الوحى الإلهى» الذى تبلور فى علوم القرآن، وعلوم السّنة.
وهذا الكتاب محاولة «لترتيب المفاهيم الفكرية للإنسان» حول جذور الحضارة الإسلامية خاصة فيما يتعلق بالمنبع الأصلى لهذه الجذور، وهو «الوحى الإلهى»، الذى لم تكن الحضارة الإسلامية بدعا من الأمم فى الاعتماد عليه، وإنما تفردت عن سائر الأمم المعتمدة على هذا المنبع فى تنظيمه، وتنسيقه، وإعداده ليكون منهج حياة يستوعب سائر الأمم مكانا وزمانا.
و «الوحى الإلهى» فى مفهوم الحضارة الإسلامية هو القرآن والسنة معا، لا ينفكان ولا ينفصلان عن «مفهوم الوحى». وإنما ينفكان وينفصلان فى ضوابط الحكم على جزئيات المسائل الفرعية بين ما هو قطعى فى دلالته على الحكم، أو ما هو ظنىّ فيها، وهذا ما توصف به السنة كما يوصف به القرآن، وذلك عند من يفهم أن منبع هذه الجذور واحد.
أما من لا يستقيم له هذا الفهم فينكر السّنة أو شيئا منها، فليس له من فهم الحضارة الإسلامية نصيب كبير، وعلّته فى سقم فهمه، ولا يفتّ فى عضد جذر


الصفحة التالية
Icon