أَهْلُ مَكَّةَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقَالَ ابْنُ الزِّبْعَرَى: يَا مُحَمَّدُ؛ أَرَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفًا أَفِينَا وَهِي آلِهَتِنَا خَاصَّةً، أَمْ فِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا؛ بَلْ فِيكُمْ وَفِي آلِهَتِكُمْ وَفِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ. فَقَالَ: خَصَمْتُكَ وَالْكَعْبَةِ؛ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةِ، أَفَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَلِهَتِنَا فِي النَّارِ؟! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَلَجُّوا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَوَابَ قَوْلِهِمْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون﴾ يَعْنِي: عُزَيْرًا وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة
﴿لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا﴾ يَعْنِي: صَوْتَهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْفَزَعُ الْأَكْبَر﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ ﴿وتتلقاهم الْمَلَائِكَة﴾ قَالَ الْحَسَنُ: تَتَلَقَّاهُمُ بِالْبِشَارَةِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَتَقُولُ: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ فِيهَا الْكِتَابُ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أول خلق نعيده﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْعَثَ الْمُوْتَى، عَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ نُطَفًا ثُمَّ عِلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظَامًا ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمُ الرُّوحَ، فَكَذَلِكَ بَدَأَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُرْسِلُ اللَّهَ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ؛ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثرى.