وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ فَكَانُوا مَا اسْتَقَوْا مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَمَا كَانَ فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَجَدُوهُ دَمًا عَبِيطًا، فَشَكَوَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالُوا: إِنَّا قَدِ ابْتُلِينَا بِالدَّمِ وَلَيْسَ لَنَا شَرَابٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَحَرَكُمْ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ سَحَرَنَا وَنَحْنُ لَا نُجِدُ فِي أَوْعِيَتِنَا شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا وَجَدْنَاهُ دَمًا عَبِيطًا؟ فَأَتَوْهُ وَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عنا هذا الدم فَنُؤْمِنَ لَكَ وَنُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُرْسِلُوا معه بني إسرائيل (روي مثل هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَرَجَعَ عَدُوُّ اللَّهِ فِرْعَوْنُ حِينَ آمَنَتِ السَّحَرَةُ مَغْلُوبًا مَغْلُولًا، ثُمَّ أَبَى إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَادِي في الشر، فتابع الله عليه الآيات، فأخذه بالسنين وأرسل عَلَيْهِ الطُّوفَانَ، ثُمَّ الْجَرَادَ ثُمَّ الْقُمَّلَ، ثُمَّ الضَّفَادِعَ، ثُمَّ الدَّمَ، آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، فَأَرْسَلَ الطُّوفَانَ وَهُوَ الْمَاءُ فَفَاضَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ ركد لا يقدرون أن يحرثوا ولا أن يَعْمَلُوا شَيْئًا حَتَّى جَهِدُوا جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ ﴿قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لنؤمن لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مما قالوا، فأرسل عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ فَأَكَلَ الشَّجَرَ فِيمَا بَلَغَنِي، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَأْكُلُ مَسَامِيرَ الْأَبْوَابِ مِنَ الْحَدِيدِ حَتَّى تَقَعَ دُوْرُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلُ، فَذُكِرَ لِي أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى كَثِيبٍ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ، فَمَشَى إِلَى كَثِيبٍ أَهْيَلَ عَظِيمٍ فَضَرَبَهُ بِهَا فَانْثَالَ عَلَيْهِمْ قُمَّلًا،
حَتَّى غَلَبَ عَلَى البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ فَمَلَأَتِ الْبُيُوتَ وَالْأَطْعِمَةَ وَالْآنِيَةَ، فلا يكشف أحداً ثوباً إِلَّا وَجَدَ فِيهِ الضَّفَادِعَ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ، فلما جهدهم ذلك قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالُوا فَسَأَلَ رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ فَصَارَتْ مِيَاهُ آلِ فِرْعَوْنَ دَمًا لَا يَسْتَقُونَ مِنْ بِئْرٍ وَلَا نَهْرٍ، وَلَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ إِنَاءٍ إِلَّا عَادَ دَمًا عبيطاً.
- ١٣٦ - فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
- ١٣٧ - وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمَّا عَتَوَا وَتَمَرَّدُوا مَعَ ابْتِلَائِهِ إِيَّاهُمْ بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة انْتَقَمَ مِنْهُمْ بِإِغْرَاقِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ الْبَحْرُ الَّذِي فَرَقَهُ لِمُوسَى فَجَاوَزَهُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، ثُمَّ وَرَدَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ عَلَى أَثَرِهِمْ، فَلَمَّا اسْتَكْمَلُوا فِيهِ ارْتَطَمَ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَتَغَافُلِهِمْ عَنْهَا، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْرَثَ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ - وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ - مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:


الصفحة التالية
Icon