المبحث الأول [معنى علوم القرآن وتحليل هذا المركب الاضافى]
١ - معنى علوم القرآن
يقتضينا منهج البحث التحليلي أن نبين معنى كل من طرفي هذا «المركب الإضافي» ثم نبين بعد ذلك المراد منه بعد التركيب ثم بعد ما صار فنّا مدونا.
طرفا هذا المركب هما لفظ «علوم» ولفظ «القرآن».
أما «العلوم»: فهو جمع «علم»، والعلم في اللغة العربية: مصدر بمعنى الفهم والمعرفة، ويطلق ويراد به: اليقين أيضا (١).
أما في الاصطلاح: فقد اختلفت فيه عبارات العلماء باختلاف الاعتبارات، فعرفه الشرعيون بتعريف، وعلماء الكلام بتعريف آخر، وعرفه الفلاسفة والحكماء بتعريف ثالث (٢).
وليس شيء من هذه التعريفات بمراد هنا، وإنما المراد: العلم في اصطلاح أهل التدوين وعرفهم، و «العلم» في عرف التدوين العام عبارة عن: «جملة من المسائل المضبوطة بجهة واحدة» سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية، والغالب أن تكون تلك المسائل كلية نظرية، وقد تكون ضرورية، وقد تكون جزئية، مثل: «مسائل علم الحديث رواية» كقولهم:

«إنما الأعمال بالنيات » بعض قوله صلى الله عليه وسلم.
أما «العلم» بمعنى: «الملكة التي بها تستحصل هذه المسائل» أو بمعنى:
«إدراك المسائل» فغير مراد هنا؛ لأن بحثنا في «العلم» بمعنى: الفن المدون، ومعلوم أن الذي يدوّن ويؤلف هي «المسائل والقواعد» لا الملكة
(١) في «القاموس المحيط» [علمه كسمعه علما- بالكسر- عرفه، وعلم هو في نفسه] وفي المصباح المنير «العلم اليقين، يقال: علم يعلم. إذا تيقن. وجاء بمعنى المعرفة أيضا».
(٢) عرفه الشرعيون بأنه: «العلم بالله تعالى وما يتعلق به من جليل صفاته وحكيم أفعاله، ومعرفة حلاله وحرامه»، وعرفه المتكلمون بأنه: «صفة تنكشف بها الأشياء لمن قامت به»، وعرفه الحكماء بأنه: «صورة الشيء الحاصلة في العقل».


الصفحة التالية
Icon