﴿من عباده﴾ وهو محمد ﷺ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون نون ينزل وتخفيف الزاي، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ﴿فباءوا﴾ أي: رجعوا ﴿بغضب على غضب﴾ أي: مع غضب، واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس ومجاهد: الغضب الأوّل: بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني: بكفرهم بمحمد ﷺ وقال السديّ: الأوّل: كفرهم بعبادة العجل، والثاني: الكفر بمحمد ﷺ وقال قتادة: الأوّل: بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني: بمحمد ﷺ والقرآن. ﴿وللكافرين عذاب مهين﴾ أي: ذو إهانة بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.
﴿وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله﴾ من القرآن وغيره فيعم سائر الكتب المنزلة ﴿قالوا نؤمن بما أنزل علينا﴾ أي: التوراة يكفينا ذلك ﴿ويكفرون﴾ الواو للحال ﴿بما وراءه﴾ أي: بما سواه من الكتب كقوله تعالى: ﴿فمن ابتغى وراء ذلك﴾ (المؤمنون، ٧) أي: سواه وقال أبو عبيدة: بما بعده أي: من القرآن. وقوله تعالى: ﴿وهو﴾ أي: ما وراءه ﴿الحق﴾ حال، وقوله: ﴿مصدّقاً لما معهم﴾ أي: من التوراة حال ثانية مؤكدة تتضمن ردّ مقالهم فإنهم كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض الله تعالى عليهم بقتل الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة بقوله تعالى: ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿فلم تقتلون﴾ أي: قتلتم ﴿أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين﴾ بالتوراة، والتوراة لا تسوغه بل نهيتم فيها عن قتلهم، والخطاب للموجودين في زمن نبينا ﷺ بما فعل آباؤهم لرضاهم به وعزمهم عليه، قرأ نافع وحده: أنبياء الله، بالهمز في كل القرآن، والباقون بالبدل، وليس لورش إلا المدّ فقط لأنه متصل.
﴿س٢ش٩٢/ش٩٤ وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن؟ بَعْدِهِ؟ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا؟ مَآءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا؟؟ قَالُوا؟ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا؟ فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ؟ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ؟ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ ا؟خِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا؟ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
﴿ولقد جاءكم موسى بالبينات﴾ أي: الآيات التسع في قوله تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات كالعصا﴾ (الإسراء، ١٠١) واليد وفلق البحر ﴿ثم اتخذتم العجل﴾ أي: إلهاً ﴿من بعده﴾ أي: من بعد ذهابه إلى الميقات، وقوله تعالى: ﴿وأنتم ظالمون﴾ أي: باتخاذه، حال أي: اتخذتم العجل ظالمين بعبادته، أو بالإخلال بآيات الله، أو اعتراض أي: وأنتم عادتكم الظلم.
﴿وإذ أخذنا ميثاقكم﴾ على العمل بما في التوراة ﴿و﴾ قد ﴿رفعنا فوقكم الطور﴾ أي: الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم، وقلنا: ﴿خذوا ما آتيناكم بقوّة﴾ أي: بجد واجتهاد ﴿واسمعوا﴾ ما تؤمرون به سماع قبول ﴿قالوا سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك وقيل: سمعنا بالآذان وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا بالآذان وتلقوه بالعصيان نسب ذلك إلى القول اتساعاً ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾ أي: خالط حبه قلوبهم كما يتداخل الشراب أعماق البدن، وفي قلوبهم بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى: ﴿إنما يأكلون في بطونهم ناراً﴾ (النساء، ١٠).
فائدة: قال البغويّ في «القصص» : إنّ موسى عليه الصلاة والسلام أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذر في النهر وأمر بالشرب منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه. ﴿بكفرهم﴾ أي: بسبب كفرهم وذلك أنهم كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسماً أعجب منه فتمكن من قلوبهم ما سوّل لهم السامري ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿بئسما﴾ أي: شيئاً ﴿يأمركم به إيمانكم﴾ بالتوراة عبادة العجل، وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم، كما قال قوم شعيب: ﴿أصلواتك تأمرك﴾ (هود، ٨٧) وكذلك إضافة الإيمان إليهم في قوله تعالى: ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ بعبادة العجل.
﴿قل﴾ لهم {إن
في ديارهم جاثمين}، أي: باركين على الركب ميتين.
﴿كأن لم يغنوا﴾، أي: كأنهم لم يقيموا ﴿فيها﴾، أي: ديارهم مدّة من الدهر، مأخوذ من قولهم: غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنياً به عن غيره ﴿ألا بعداً﴾، أي: هلاكاً ﴿لمدين كما بعدت ثمود﴾ إنما شبههم بهم؛ لأنّ عذابهم كان أيضاً بالصيحة لكن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم، قال ابن عباس: لم يعذب الله تعالى أمّتين بعذاب إلا قوم شعيب وقوم صالح؛ فأمّا قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم، وأمّا قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم.
القصة السابعة: التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة وهي آخر قصصها قصة موسى عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى:
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ أي: التوراة مع ما فيها من الشرائع والأحكام ﴿وسلطان مبين﴾ أي: برهان بيّن ظاهر على صدق نبوّته ورسالته وقيل: المراد بالآيات المعجزات وبالسلطان المبين العصا؛ لأنها أظهر الآيات، وذلك لأنّ الله تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات وهي العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص من الثمرات والسنين، ومنهم من أبدل نقص الثمرات والسنين بإظلال الجبل وفلق البحر. قال بعض المحققين: سميت الحجة سلطاناً لأنّ صاحب الحجة يقهر من لا حجة له، كالسلطان يقهر غيره، والعلماء سلاطين بسبب كمالهم في القوّة العلمية، والملوك سلاطين بحسب ما معهم من القدرة والمكنة إلا ان سلطنة العلماء أكمل وأقوى من سلطنة الملوك؛ لأنّ سلطنة العلماء لا تقبل النسخ والعزل وسلطنة الملوك تقبلهما ولأنّ سلطنة الملوك تابعة لسلطنة؛ العلماء لأنّ سلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنة.
﴿إلى فرعون﴾ طاغية القبط ﴿وملئه﴾، أي: أشراف قومه الذين تتبعهم الأذناب؛ لأنّ القصد الأكبر رفع أيديهم عن بني إسرائيل ﴿فاتبعوا أمر فرعون﴾، أي: اتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل ولم يتبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات الظاهرة الباهرة لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم ﴿وما أمر فرعون برشيد﴾، أي: بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير وقيل: رشيد ذو رشد، وانسلاخ فرعون من الرشد كان ظاهراً؛ لأنه كان دهرياً نافياً للصانع والمعاد وكان يقول: لا إله للعالم وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم وعبوديته رعاية لمصلحة العالم، وكل الرشد في عبادة الله تعالى ومعرفته، فلما كان هو نافياً لهذين الأمرين كان خالياً من الرشد بالكلية.
﴿يقدم قومه يوم القيامة﴾ إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال أو كما تقدم قومه في الدنيا فأدخلهم البحر وأغرقهم فكذا يتقدمهم في القيامة فيدخلهم النار كما قال تعالى: ﴿فأوردهم النار﴾. فإن قيل: لم لم يقل يقدم قومه فيوردهم النار بل أتى بلفظ الماضي؟ أجيب: بأنه إنما أتى بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، ونزل النار له منزلة الماء فسمّى إتيانها مورداً، ولهذا قال تعالى: ﴿وبئس الورد المورود﴾ وردهم لأنّ الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضدّه. فإن قيل: لفظ النار مؤنث فكان مقتضى ذلك أن يقال: وبئست الورد المورود؟ أجيب: بأن لفظ الورد مذكر فكان التذكير
النفخة الأولى حين يصعقون ﴿إلاّ من شاء الله﴾ أي: المحيط علماً وقدرة وعزة وعظمة أن لا يفزع.
روي أنه ﷺ «سأل جبريل عنهم فقال هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول العرش» وعن ابن عباس هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم، وعن مقاتل: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام، ويروى أنّ الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل ثم يقول الله تعالى من بقي يا ملك الموت فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل وميكائيل وملك الموت، فيقول الله تعالى خذ نفس ميكائيل ثم يقول الله تعالى من بقي يا ملك الموت فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني قال يا جبريل لا بدّ من موتك فيقع ساجداً يخفق بجناحيه، فيروى أنّ فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم، ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح إسرافيل ثم روح ملك الموت، وعن الضحاك هم رضوان والحور ومالك والزبانية عليهم السلام وقيل: عقارب النار وحياتها ﴿وكل﴾ أي: من فزع ومن لم يفزع ﴿أتوه﴾ أي: بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها وفي ذلك دليل على تمام قدرته تعالى في كونه أقامهم بما به أماتهم ﴿داخرين﴾ أي: صاغرين.
وقرأ حفص وحمزة بقصر الهمزة وفتح التاء على أنه فعل ماض ومفعوله الهاء فالتعبير به لتحقق وقوعه، والباقون بمد الهمزة وضم التاء على أنه اسم فاعل مضاف للهاء وهذا حمل على معنى كل وهي مضافة تقديراً أي: وكلهم، ولما ذكر تعالى دخورهم أتبعه بدخور ما هو أعظم منهم بقوله تعالى:
﴿وترى الجبال﴾ أي: تبصرها وقت النفخة والخطاب للنبيّ ﷺ لكونه أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة أو لكل أحد ﴿تحسبها﴾ أي: تظنها ﴿جامدة﴾ أي: قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرّك لأنّ الأجرام الكبار إذا تحرّكت في سمت واحد لا تكاد تتبين حركتها ﴿وهي تمرّ﴾ أي: تسير حتى تقع على الأرض فتسوى بها مبثوثة ثم تصير كالعهن ثم تصير هباءً منثوراً، وأشار تعالى إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله تعالى: ﴿مرّ السحاب﴾ أي: مرّاً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا أطبق الجوّ لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإلالم تنكشف الشمس بلا لبس وكذلك كبير الجرم أو كثير العدد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه ولكثرته البصر والناظر الحاذق يظنه واقفاً.
وقرأ تحسبها بكسر السين نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وفتحها الباقون وقوله تعالى ﴿صنع الله﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله، أي: صنع الله ذلك صنعاً، ثم زاد في التعظيم بقوله دالاً على تمام الإحكام في ذلك الصنع ﴿الذي أتقن﴾ أي: أحكم ﴿كل شيء﴾ صنعه ولما ثبت هذا على هذا الوجه المتقن والنظام الأمكن أنتج قطعاً قوله تعالى: ﴿إنه﴾ أي: الذي أتقن هذه الأمور ﴿خبير بما يفعلون﴾ أي: عالم بظواهر الأحوال وبواطنها ليجازيهم عليها كما قال تعالى:
﴿من جاء بالحسنة﴾ أي: الكاملة وهي الإيمان، وعن ابن عباس الحسنة كلمة الشهادة ﴿فله خير﴾ أي:
سورة ق
مكية إلا قوله تعالى ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض﴾ الآيةمدنية، وهي خمس وأربعون آية وثلاثمائة وسبع وخمسون كلمةوألف وأربعمائة وأربعة وتسعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ أي: الذي أحاط علمه بجيمع خلقه العاكف منهم والبادي ﴿الرحمن﴾ أي الذي عمّ خلقه برحمته حين أرسل إليهم بشرائعه أصدق العباد ﴿الرحيم﴾ أي: الذي خص بالفوز في دار القرار أهل الرشاد واختلف في تفسير قوله عز من قائل:
﴿ق﴾ فقال ابن عباس: هو قسم. وقيل: هو اسم للسورة. وقيل: اسم من أسماء القرآن. وقال القرطبي: هو مفتاح اسمه قدير وقادر وقاهر وقريب وقابض. وقال عكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء ومنه خضرة السماء والسماء مغيبة عليه وعليه كنفاها ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة قيل: متصلة عروقه بالصخرة التي عليها الأرض والسماء كهيئة القبة وعليه كنفاها. قال الرازي: وهذا القول ضعيف لوجوه: أحدها: أنّ أكثر القرّاء يقف عليها ولو كان اسم جبل لما جاز الوقف في الإدراج لأنّ من قال ذلك قال: إنّ الله تعالى أقسم به. ثانيها: أنه لو كان كما ذكر لكان يكتب قاف مع الألف والفاء كما يكتب عين جارية ويكتب ﴿أليس الله بكاف عبده﴾ (الزمر: ٣٦)
وفي جميع المصاحف تكتب حرف ق. ثالثها: أنّ الظاهر كون الأمر فيه كالأمر في ص ون وحم وهي حروف لا كلمات فكذلك في ق فإن قيل: هو منقول عن ابن عباس نقول: المنقول عنه أنّ القاف اسم جبل، وأمّا أنّ المراد ههنا ذلك فلا ا. هـ.
وقيل: معناه قضى الأمر وقضى ما هو كائن كما قالوا في ﴿حم﴾ وفي ﴿ص﴾ صدق الله. قال الرازي: وقد ذكرنا أنّ الحروف تنبيهات قدّمت على القرآن ليكون السامع بسببها يقبل على استماع ما يرد على الإسماع فلا يفوته شيء من الكلام الرائق والمعنى الفائق وذكرنا أيضاً أنّ العبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جارحية ظاهرة ووجد في الجارحية ما عقل معناه ووجد فيها ما لم يعقل معناه كأعمال الحج من الرمي والسعي وغيرهما ووجد في القلبية ما عقل بالدليل وعلم كالتوحيد وإمكان الحشر وصفات الله تعالى وصدق الرسل ووجد فيها ما لم يعقل ولا يمكن التصديق به لولا السمع كالصراط الممدود الأحد من السيف الأرق من الشعر. والميزان الذي توزن به الأعمال.
فكذلك ينبغي أن تكون الأذكار التي هي العبادة اللسانية فيها ما يعقل معناه كجميع القرآن إلا قليلاً منه وفيها ما لا يعقل ولا يفهم كل حروف التهجي ليكون التلفظ به لمحض الانقياد للأمر لا لما يكون في الكلام من طيب الحكاية والقصد إلى غرض كقولك: ربنا اغفر لنا وارحمنا بل يكون النطق به تعبداً محضاً.
ويؤيد هذا وجه آخر: وهو أنّ هذه الحروف مقسم بها لأنّ الله تعالى لما أقسم بالتين والزيتون كان تشريفاً لهما فإذا أقسم بالحروف التي هل أصل الكلام الشريف الذي هو دليل المعرفة وآلة التعريف كان أولى، وإذا عرفت هذا فنقول القسم من الله تعالى وقع بأمر واحد كما في قوله تعالى: ﴿والعصر﴾ (العصر: ١)
وقوله تعالى: ﴿والنجم﴾ (النجم: ١)
بحرف واحد كما في قوله تعالى: ﴿ص﴾ و ﴿ن﴾ ووقع بأمرين كما في قوله تعالى: ﴿والضحى﴾ (الضحى: ١)
﴿والليل﴾ (الليل: ١)
وفي قوله تعالى: ﴿والسماء والطارق﴾ (الطارق: ١)
بحرفين كما قال في قوله تعالى: