الصوم في السفر قول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: «كنا نسافر مع رسول الله ﷺ في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم». وقوله تعالى: ﴿ولتكملوا العدّة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون﴾ أي: الله على نعمه، علل لفعل محذوف دلّ عليه ما سبق أي: وشرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر، وأمر المرخص له بالقضاء، وبمراعاة عدّة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر، فقوله تعالى: ﴿ولتكملوا العدّة﴾ علّة الأمر بمراعاة العدّة، وقوله تعالى: ﴿ولتكبروا﴾ علّة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر، وقوله
تعالى: ﴿ولعلكم تشكرون﴾ علّة الترخيص من تعظيم الله تعالى بالحمد والثناء عليه، ولذلك عدّ نوعاً من اللف والنشر لطيف المسلك. ومعنى التكبير تعظيم الله تعالى بالحمد والثناء عليه، ولذلك عدّي بحرف الاستعلاء لكونه مضمناً معنى الحمد كأنه قيل: ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم، وقيل: تكبير عيد الفطر وقيل: التكبير عند الإهلال، وقرأ شعبة ولتكملوا بفتح الكاف وتشديد الميم والباقون بسكون الكاف وتخفيف الميم.
تنبيه: ورد في فضل شهر رمضان وثواب الصائمين أخبار منها ما رواه أبو هريرة أنه ﷺ قال: «إذا دخل رمضان صفدت الشياطين ومردة الجنّ وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» ومنها ما رواه أيضاً أنه ﷺ قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه».
ومنها ما رواه سلمان قال: خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعاً، من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه الرزق؛ من فطر فيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم قال رسول الله ﷺ «يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذْقَة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله عز وجل من حوضِي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى لكم عنهما فأمّا الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأمّا اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، الصوم جنة».
وعن سهل بن سعد أنه قال: قال رسول الله صلى
لأخيهم الغائب عند أبيهم منعوا منه.
والثاني: أنهم منعوا الكيل في المستقبل، وهو قول يوسف عليه السلام: ﴿فلا كيل لكم عندي ولا تقربون﴾ ويدل لهما قولهم: ﴿فأرسل معنا أخانا﴾ بنيامين ﴿نكتل﴾ فإنّ حمزة والكسائي قرآه بالياء، أي: يكتل لنفسه، وهذا يدل للقول الأوّل، والباقون بالنون، أي: نكتل نحن وإياه، وهذا يدل للقول الثاني ﴿وإنا له لحافظون﴾ عن أن يناله مكروه حتى نردّه إليك، فلما قالوا ليعقوب عليه السلام هذه المقالة.
﴿قال﴾ لهم ﴿هل آمنكم﴾، أي: أقبل منكم الآن وفي مستقبل الزمان تأمينكم لي فيه بما يسوءني تأميناً مستقبلاً ﴿عليه﴾، أي: بنيامين ﴿إلا كما أمنتكم﴾، أي: في الماضي ﴿على أخيه﴾ يوسف عليه السلام ﴿من قبل﴾ فإنكم أكدتم غاية التأكيد فلم تحفظوه لي ولم تردّوه إليّ، والأمن اطمئنان القلب إلى سلامة النفس، فأنا في هذا لا آمن عليه إلا الله تعالى ﴿فالله﴾ المحيط علماً وقدرة ﴿خيرٌ حافظاً﴾ منكم ومن كل أحد، ففيه التفويض إلى الله تعالى والاعتماد عليه في جميع الأمور. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بفتح الحاء وألف بعدها وكسر الفاء، والباقون بكسر الحاء وسكون الفاء، وهو منصوب على التمييز في القراءتين، وتحتمل الأولى النصب على الحال اللازمة ﴿وهو أرحم الراحمين﴾، أي: أرحم بي من أن يفجعني به بعد مصيبتي بأخيه فلا يجمع عليّ مصيبتين.
﴿ولما﴾ أرادوا تفريغ ما قدموا به من الميرة ﴿فتحوا متاعهم﴾، أي: أوعيتهم التي حملوها من مصر ﴿وجدوا بضاعتهم﴾، أي: ما كان معهم من كنعان لشراء القوت ﴿ردّت إليهم﴾ والوجدان ظهور الشيء للنفس بحاسة أو ما يغني عنها، فكأنه قيل: ما قالوا؟ فقيل: ﴿قالوا﴾، أي: لأبيهم عليه السلام ﴿يا أبانا ما﴾ استفهامية، أي: أي شيء ﴿نبغي﴾، أي: نريد، جميع القراء أثبتوا الياء وقفاً ووصلاً لثباتها في الرسم، فكأنه قال لهم: ما الخبر؟ فقالوا بياناً لذلك؟ وتأكيداً للسؤال في استصحاب أخيهم: ﴿هذه بضاعتنا ردّت إلينا﴾ هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا وردّ علينا متاعنا.
ولما كان التقدير ونرجع بها إليه بأخينا، فيظهر له نصحنا وصدقنا ﴿ونمير أهلنا﴾، أي: نجلب إليهم الميرة برجوعنا إليه، والميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد ﴿ونحفظ أخانا﴾ فلا يصيبه شيء مما تخشى عليه تأكيداً للوعد بحفظه ﴿ونزداد كيل بعير﴾ لأخينا ﴿ذلك كيل يسير﴾، أي: سهل على الملك لسخائه وحرصه على البذل، وقيل: قصير المدّة ليس سبيل مثله أن تطول مدّته بحسب الحبس والتأخير، وقيل قليل فابعث أخانا حتى نبدل تلك القلة بالكثرة، فكأنه قيل: ما قال لهم؟ فقيل:
﴿قال﴾ يعقوب عليه السلام: ﴿لن أرسله﴾، أي: بنيامين كائناً ﴿معكم﴾، أي: في وقت من الأوقات ﴿حتى تؤتوني موثقاً﴾، أي: عهد مؤكداً ﴿من الله﴾ قرأ ابن كثير بإثبات الياء بعد النون وقفاً ووصلاً، وأبو عمرو بإثبات الياء وقفاً لا وصلاً، وحذفها الباقون وقفاً ووصلاً، وقوله ﴿لتأتنني﴾، أي: كلكم ﴿به﴾ أي: تحلفوا بالله لتأتنني به من الإتيان، وهو المجيء في كل حال جواب القسم، أو المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتنني به ﴿إلا﴾، أي: في حال ﴿أن يحاط﴾، أي: تحصل الإحاطة بمصيبة من المصائب لاطاقة لكم بها ﴿بكم﴾ فتهلكوا من عند آخركم كل ذلك زيادة في التوثيق بما حصل له من المصيبة بيوسف عليه السلام، وإن كان الاعتماد في حفظه إنما هو على الله تعالى، وهذا من باب
الجماعة من الطير كأنها سميت بذلك لكثرة رجوعها وسرعتها إلى المكان الذي ذهبت منه ﴿ينصرونه من دون الله﴾ أي: غيره بأن يمنعوا عنه الهلاك ﴿وما كان من المنتصرين﴾ أي: الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع ولما خسف به واستبصر الجهال الذين هم كالبهائم لا يرون إلا المحسوسات ذكر حالهم بقوله:
﴿
وأصبح﴾ أي: وصار ولكنه ذكره لمقابلة المساء ﴿الذين تمنوا﴾ أي: أرادوا إرادة عظيمة بغاية الشفقة أن يكونوا ﴿مكانه﴾ أي: تكون حاله ومنزلته في الدنيا لهم ﴿بالأمس﴾ أي: الزمان الماضي القريب وإن لم يكن يلي يومهم الذي هم فيه فالأمس قد يذكر ولا يراد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت المستقرب على طريق الاستعارة ﴿يقولون ويكأنّ الله يبسط﴾ أي: يوسع ﴿الرزق لمن يشاء من عباده﴾ بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه ﴿ويقدر﴾ أي: يضيق على من يشاء لا لهوان من يضيق عليه بل لحكمته وقضائه ابتلاء منه وفتنة و «وي» اسم فعل بمعنى أعجب أي: أتى والكاف بمعنى اللام، وهذه الكلمة والتي بعدها متصلة بإجماع المصاحف.
واختلف القراء في الوقف فالكسائي وقف على الياء قبل الكاف، ووقف أبو عمرو على الكاف، ووقف الباقون على النون وعلى الهاء، وحمزة يسهل الهمزة في الوقف على أصله، وأما الوصل فلا خلاف فيه بينهم ولما لاح لهم من واقعته أن الرزق إنما هو بيد الله اتبعوه ما دل على أنهم اعتقدوا أيضاً أن الله قادر على ما يريد من غير الرزق كما هو قادر على الرزق من قولهم ﴿لولا أن منّ الله﴾ أي: تفضل الملك الأعظم ﴿علينا﴾ بجوده ولم يعطنا ما تمنيناه من الكنوز على مثل حاله ﴿لخسف بنا﴾ مثل ما خسف به ﴿ويكأنه لا يفلح الكافرون﴾ لنعمة الله تعالى كقارون والمكذبين لرسله وبما وعد لهم من ثواب الآخرة وقوله تعالى:
﴿تلك الدار الآخرة﴾ إشارة تعظيم وتفخيم لشأنها أي: تلك الدار التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها، وتلك مبتدأ والدار صفته والخبر ﴿نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض﴾ بالبغي ﴿ولا فساداً﴾ بعمل المعاصي فلم يعلق تعالى الوعد بترك العلو والفساد ولكن بترك، إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ (هود، ١١٣) فعلق الوعيد بالركون، وعن علي رضي الله تعالى عنه أن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها، وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال ذهبت الأماني ههنا، وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أنه كان يرددها حتى قبض، قال الزمخشري: ومن الطماع من يجعل العلو لفرعون والفساد لقارون متعلقاً بقوله تعالى: ﴿أن فرعون علا في الأرض﴾ وبقوله تعالى: ﴿ولا تبغ الفساد في الأرض﴾ فيقول من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة ولا يتدبر قوله تعالى ﴿والعاقبة﴾ أي: المحمودة ﴿للمتقين﴾ أي: عقاب الله تعالى بعمل طاعته كما تدبره علي والفضيل وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم، ولما بيَّن تعالى أن الدار الآخرة ليست لمن يريد علواً في الأرض ولا فساداً بل هي للمتقين بين بعد ذلك ما يحصل فقال تعالى:
﴿من جاء بالحسنة فله خير منها﴾ من عشرة أضعاف إلى سبعين إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يحيط به إلا الله تعالى ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ وهي ما نهى الله تعالى عنه ومنه إخافه المؤمنين ﴿فلا يجزى﴾ أي: من أيّ جاز وأظهر ما في هذا الفعل من الضمير العائد على
ظاهرة في الجمع، وإشارة إلى أنه محفوظ بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه وتعالى ﴿وسبح﴾ ملتبساً ﴿بحمد ربك﴾ أي: المحسن إليك فأثبت له كل كمال من تنزيهك له عن كل نقص فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما هو حكمة بالغة ﴿حين تقوم﴾ قال سعيد بن جبير وعطاء: أي قل حين تقوم من مجلسك: سبحانك اللهم وبحمدك فإن كان المجلس خيراً ازددت إحساناً وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
وروى أبو هريرة أنّ رسول الله ﷺ قال «من جلس مجلساً وكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كان كفارة لما بينهما» أي من الذنوب الصغائر. وقال ابن عباس: معناه صل لله حين تقوم من مقامك وقال الضحاك والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك، وقال الكلبي: هو ذكر الله تعالى باللسان حتى تقوم من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة لما روى عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله ﷺ قيام الليل فقالت «كان إذا قام كبر عشراً وحمد الله تعالى عشراً وهلل عشراً واستغفر عشراً، وقال: اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة» وقيل حين تقوم لأمر ما.
﴿ومن الليل﴾ أي: الذي هو محل السكون والراحة ﴿فسبحه﴾ أي: صلّ له قال مقاتل: يعني صلاة المغرب والعشاء ﴿وإدبار النجوم﴾ أي: صل الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح هذا قول أكثر المفسرين وقال الضحاك: هي فريضة صلاة الصبح وهذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون﴾ (الروم: ١٧)
وقد تقدم الكلام عليها قال الرازي:
قال تعالى هنا: ﴿وإدبار النجوم﴾ وقال في سورة ق: ﴿وأدبار السجود﴾ (ق: ٤٠)
فيحتمل أن يكون المعنى واحداً والمراد من السجود جمع ساجد والنجوم سجود قال تعالى: ﴿والنجم والشجر يسجدان﴾ (الرحمن: ٦)
وقيل المراد من النجوم نجوم السماء وقيل النجم ما لا ساق له من النبات قال الله تعالى: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض﴾ (الرعد: ١٥)
الآية أو المراد من النجوم الوظائف وكل وظيفة نجم في اللغة أي إذا فرغت من وظائف الصلاة فقل سبحان الله كما مرّ، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال: «من قرأ سورة والطور كان حقاً على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته» حديث موضوع.
سورة النجم
مكية ثنتان وستون آية وثلاثمائة وستون كلمةوألف وأربعمائة وخمسة أحرف
﴿بسم الله﴾ الذي أحاط بصفات الكمال ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ الموجودات بصفة الجمال ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل ودّه بصالح الأعمال.
﴿والنجم إذا هوى﴾ قال ابن عباس في رواية العوفي: يعني الثريا إذا غابت وسقطت وهوت مغيبة، والعرب تسمي الثريا نجماً، وجاء في الحديث عن أبي هريرة مرفوعاً «ما طلع النجم قط وفي الأرض شيء من العاهات إلا رفع» وأراد بالنجم الثريا، وقال مجاهد: هو نجم السماء كلها حين يغرب، لفظه واحد ومعناه الجمع سمى الكوكب نجماً لطلوعه وكلّ طالع