والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: (إصلاحُ ذاتِ البين) قال: (وفسادُ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ) (١).
قال سبحانه وتعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: ١). وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: ١٠).
قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي: الجميع إخوة في الدين، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمُهُ، ولا يُسْلِمُه، ومَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَنْ فرَّج عن مسلمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبات يوم القيامه، ومَنْ سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ الله يوم القيامة) (٢).
وفي الصحيح: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) (٣). قوله تعالى: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ يعني الفئتين المقتتلتين ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: في جميع أموركم ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه (٤).
الخاتمة
بعد هذه الإلمامة السريعة مع القرآن، وهذا البحث الموجز علمنا أن القرآن الكريم لم يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا هدى فيها إلى الصراط المستقيم.
فهو مصدرُ عزٍّ وكرامة وراحة واطمئنان، أهدافُه سامية، ومراميه عظيمة، من سار على هديه فاز في الدارين، ومن ابتعد عن تعاليمه وأحكامه وعِبَره خَسِرَ وباء سعيُه فيهما.
فالقرآن الكريم منهجٌ متكاملٌ لإصلاح المجتمع، وقد رسم حياة الإنسان وعلاقته بربه، وبمجتمعه على أتم وجه، وأكمل نظام. وما سطّرته قطرةٌ من بحره العظيم، ونقطةٌ من فضائه الرحب الواسع.
واللهَ - جل وعلا - نسأله أن يمن علينا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، مطبقين لتعاليمه ممتثلين لأوامره، منْزجرين لنواهيه، معتبرين بحِكَمِهِ.
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، إنه نعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع
o «أحكام أهل الذمة» لابن القيم عن «بدائع التفسير».
o «أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام» د. عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، الثانية، بيروت، ١٤٠٨هـ.
o «الاعتصام» للشاطبي، تعليق محمود طعمة، دار المعرفة، الثانية، بيروت، ١٤٢٠هـ.
o «إعلام الموقعين عن رب العالمين» لابن القيم، تعليق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الأولى، دار ابن الجوزي، الدمام، ١٤٢٣هـ.
o «بدائع التفسير» جمع يسرى السيد محمد، دار ابن الجوزي، الرياض، الأولى، ١٤١٤هـ.
o «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» للكاساني، ت علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت.
o «التحرير والتنوير من التفسير» لمحمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس.
o «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير، ت سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، الرياض، الثانية، ١٤٢٠هـ.

(١) أخرجه «أحمد» في «مسنده» (٥٠٠: ٤٥)، و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأدب - باب في إصلاح ذات البين) (٤٩١٩)، و «الترمذي» في «جامعه» في (كتاب صفة القيامة - باب في فضل صلاح ذات البين) (٢٥٠٩) من حديث «أبي الدرداء».
(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب المظالم - باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسْلِمُه) (٢٤٤٢)، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب البر - باب تحريم الظلم) (٢٥٨٠) من حديث «عبد الله بن عمر».
(٣) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الذكر والدعاء - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر) (٢٦٩٩) من حديث «أبي هريرة».
(٤) انظر «تفسير ابن كثير» (٧: ٣٧٥).


الصفحة التالية
Icon