الأنسب تأكيد المجرورين الأولين ليفيد إنه لا بنحو التابع والمتبوع، إذ ليس في تأكيد الضمير الثالث بالاستقلال أو الاشتراك كبير فائدة، وردّ بأنه يفيد أن مجرّد اتباعه موجب للعذاب من غير تفاوت بين ناس وناس. قوله: (أي القرآن) تفسير لضمير عليه وهذا أيضاً بمعونة المقام في حكم المذكور، وقوله على ما عرفتم من حالي أي قبل النبوة فكيف بعدما من الله به عليّ وانتحل بالحاء المهملة من الانتحال وهو ادعاء ما لا أصل له، وأتقول بمعنى أتكلف، وقوله من عند نفسي والمراد أفتر به، وقوله وهو ما فيه من الوعد والوعيد فنبأه ما أنبأ به من ذلك والمراد أنهم يعلمونه علم يقين أو مشاهدة إذا وقع فنبؤه مجاز عن وقوعه والمراد بالنبأ الوعد والوعيد فقط، وقوله أو صدقه أي وصدق ما أنبأتكم به مطلقاً لا
الوعد، والوعيد وحده لكن تحققه بوقوعهما أيضاً وهذا هو الفرق بين الوجهين، وقوله بإتيان ذلك إشارة للوعد والوعيد، وهو متعلق بتعلمن على الوجهين وفي عطف صدقه حزازة والظاهر عطفه على ما فيه والمراد أنّ الذي تعملونه وعده ووعيده إذا وقعا أو صدق ما أخبرتهم به، ودعوتهم له مطلقا بذلك وضمير صدقه للنبأ لا لما وعطفه على الوعد مما لا وجه له، والنبأ محتمل للمجاز كما مرّ ويجوز إبقاؤه على ظاهره. قوله: (أو عند ظهور الاسلام (أي قوّة ظهوره بقهر أعداء الله وهذا مؤيد للثاني، وملائم له إذ بظهوره يظهر صدق القرآن ويجري على الأول إن أريد بالوعد والوعيد ما وقع في الدنيا، وقوله وفيه أي في قوله لتعلمن الخ أو في قوله بعد حين والأول أولى. قوله: (وعن النبني ﷺ الخ) هو حديث موضوع ولوائح الوضع فيه ظاهرة، وتخصيص ما ذكر لوقوعه في هذه السورة وعدم إصراره تنويه لبركة ما يتلوه قيها من ذكر التوبة، تمت السورة بحمد الله ونعمائه، والصلاة والسلام على أشرف رسله وأنبيائه وعلى آله وصحبه خلص أصفائه.
سورة الزمر
وتسمى سورة الغرف كما في الكشاف لقوله لهم غرف من فوقها غرف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية الخ) أي إلا ثلاث آيات مدنية نزلت في حق وحشي قاتل حمزة كما نقله الداني عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا﴾ [سورة الزمر، الآية: ٠ ا] الخ وقيل ورابعة وهي: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ [سورة الزمر، الآية: ٢٣] الخ قاله ابن الجوزي وأمّا عدد الآيات فقيل خمس، وقيل ثلاث وقيل ثنتان وسبعون والاختلاف في قوله: ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ ﴿مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي﴾ ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ ﴿مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ﴿مِنْ هَادٍ﴾ فتأمّله. قوله: (أو حال عمل فيها الخ) كذا في الكشاف، وقد قيل عليه أنّ العامل المعنوفي لا يعمل في المقدم لضعفه فأولى أن لا يعمل، وهو محذوف وان لم يكن فيه نص فلا نص على خلافه، وله أن يمنع الأولوية وانه إذا جاز الحذف لدليل فلا مانع من العمل لأنه كالموجود انتهى، وهذا كلام مختل من وجوه لأنه قاس عمله محذوفا على عمله مؤخرا، وليس بصحيح لأنّ المحذوف كالموجود فلا يضعف عن العمل إذا قدر مقدما ملاصقاً ألا ترى المصدر يعمل مقدراً، ولا يتقدم معموله عليه وكذا المضاف ولو تتبعت أمثاله وجدتها كثيرة وقوله لا نص فيه أيضا ممنوع بل فيه نص صريح في أماكن متعددة منها ما ذكره في البحر هنا من أنّ النحاة ردّوا على المبرد لما خرّج قول الفرزدق، واذ ما مثلهم بشر من أن مثلهم منصوب على الحالية، وعامله الظرف المقدر أي ما في الوجود بشر مماثلا لهم بأنّ الظرف عامل معنويّ لا يعمل محذوفا لأن المراد به ما تضمن معنى الفعل لتضمن اسم الإشارة معنى أشير والظرف معنى استقر، وما قيل من أن امتناع تقديم الحال الظرفي على العامل المعنوي ليس بثبت مع أنه لا حاجة إليه مخالف لما صرّح به النحاة فإنهم نقلوا الخلاف فيه من غير فرق بين الظرف وغيره. قوله: (أو التنزيل (إذا كان حالاً من تنزيل فالعامل فيه معنوي، وهو اسم الإشارة واذا كان حالاً من الكتاب فالعامل فيه تنزيل وجاز الحال من المضاف إليه لأنّ المضاف مما يعمل عمل الفعل، وهو أحد الصور التي يجوز فيها ذلك، وقيل إنه إذا كانالتنزيل بمعنى المنزل فالحال من الضمير