وذهب آخرون إلى أنه متصل، وتأوّلوه بأنّ المؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها لتيقنه بنعيمها، وقيل إلا فيه بمعنى سوي، وهو صحيح شائع بخلاف كونها بمعنى بعد الذي اختاره الطبري فإن الجمهور لم يثبتوه. قوله: (والضمير (أي في قوله: فيها للأخرة فيشمل البرزخ لتنزيله منزلتها باعتبار مشارفته، وقربه منها فهو مجاز، والظاهر أنه على هذا شامل لمن هو في الجنة حقيقة لأنّ المقصود نفيه عمن هو فيها فيكون فيه الجمع بين الحقيقة، والمجاز، وهو جائز عند المصنف، والتجوّز في قوله فيها ففيه استعارة تبعية كما أشار إليه المصنف لكن في عود الضمير للآخرة تفكيك لأنّ ما قبله للجنات كما قيل، وتسهيله أنّ الجنة والآخرة هنا في حكم شيء واحد، وقد قيل إنّ السؤال مبنيّ على أنّ الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه، ومحال أن تثبت الموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأمّا من جعله تكلماً بالثاني بعد الثنعي، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى، من الموت فلا إشكال لكن الحق هو الأوّل، وعليه قاعدة الكلام، وخاصية التركيب، وكون الأوّل مذهب الحنفية لا يرد هنا، ولا على ما في شرح الكشاف كما توهم مع جعل الكلام مبنيا عليه فتأمّل. قوله: (أو الاستثناء للمبالغة في قحميم النفي اللمستقبل كأنه قيل لا يذوقون الموت البتة أصلا، وهو متصل حينئذ على الفرض، والتقدير كما في قوله: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [سورة النساء، الآية: ٢٢] وقوله:
ولا عيب فيهم غيرأن نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن
فهو من تأكيد إثبات الشيء بنفيه فيقدر الدخول للمبالغة في النفي، وضمير فيها للجنات حينئذ، وأو عاطفة على قوله والمؤمن الخ، وحاصله منع الدخول مستنداً لأنه يجوز فرضا للمبالغة وفي نسخة بالواو فلا يكون جوابا آخر بل راجع لما قبله وله وجه فتدبر. قوله: (وقرئ ووقاهم على المبالغة) في الوقاية لأنّ التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأنه متعدّ قبله، وبعده فالمبالغة مأخوذة من الصيغة الدالة على التكثير. قوله: (أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا (إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، وجوّز فيه أن يكون حالاً ومفعولاً له، وهو إشارة إلى أنه ليس بإيجاب لاستحقاقهم له بالأعمال كما مرّ غير مرّة. قوله: (لأنه خلاص عن المكاره (كما يدل عليه قوله ووقاهم الخ، والفوز بالمطالب مما قبله ففيه لف، ونشر مرتب وقوله:
بلغتك إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى اللغة لا الجارحة، وقيل المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونك أمّيا فاللسان بمعناه المشهور. قوله: (وهو فذلكة للسورة) أي إجمال لما فيها من التفصيل وقد مرّ أنه من قول الحساب فذلك كذا فيكون تذكيرا وشرحا لما مضى، وقوله: لعلهم يفهمونه لموافقته لغتهم، والكلام على لعل وكونها بمعنى كي تقدم، وقوله: لما لم يتذكروا الخ، وفي نسخة، ولما لم يتذكروا الخ بالواو، وهي أولى، وهو تقدير لشرط يكون قوله فارتقب جوإبا له فإنّ جواب لما يجوز اقترانه بالفاء كما صرّح به النحاة، وذكره ابن مالك في التسهيل، وحذف مفعول فارتقب للتعميم، ولذا قدره المصنف بقوله: ما يحل، وهو تعميم بعد تخصيص بقوله: فارتقب يوم تأتي السماء الخ، وقوله ة منتظرون كما قالوا نتربص به ريب المنون، وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكماً، وقيل هو مشاكلة، والمعنى صائرون للعذاب. قوله: (عن النبئي ﷺ الخ) الحديث أخرجه الترمذيّ، وليس موضوعا، وأصبح بمعنى صار ومغفورا مفعوله أو بمعنى دخل في الصباح وهو حال، وقوله: حم الدخان بالإضافة أو التوصيف لكنه يحتاج إلى تكلف، وتخصيص ليلة الجمعة توقيفي تمت السورة بحمد الله المعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، وصحبه أجمعين.
سورة الجاثية
وتسمى سورة الشريعة، وسورة الدهر لذكرهما فيها. قوله: (مكية) استثنى بعضهم منها:
﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا﴾ الآية فإنه قيل إنها مدنية نزلت في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي، وقوله: سبع


الصفحة التالية
Icon