والثاني: أن الأحوال تختلف، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة، وفي بعض وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن. قال ابن عباس: أمر الله إبراهيم بهذا قبل أن يولد له، وقبل أن يُنَزِّلَ عليه الصُّحُف. وحُكِيَ: أن إبراهيم ذبح الأربعة من الطير، ودق أجسامهن في الهاون لا روحهن، وجعل المختلط من لحومهن عشرة أجزاء على عشرة جبال، ثم جعل مناقيرها بين أصابعه، ثم دعاهن فأتين سعياً، تطاير اللحم إلى اللحم، والجلد إلى الجلد، والريش إلى الريش، فذهب بعض من يتفقه من المفسرين إلى من وصّى بجزء من ماله لرجل أنها وصية بالعُشْر، لأن إبراهيم وضع أجزاء الطير على عشرة جبال.
﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾ قوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: يعني في الجهاد، قاله ابن زيد. والثاني: في أبواب البر كلها. ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ﴾ ضرب الله ذلك مثلاً في أن النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف، وفي مضاعفة ذلك في غير ذلك من الطاعات قولان: أحدهما: أن الحسنة في غير ذلك بعشرة أمثالها، قاله ابن زيد. والثاني: يجوز مضاعفتها بسبعمائة ضعف، قاله الضحاك. ﴿وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ﴾ يحتمل أمرين: أحدهما: يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء. والثاني: يضاعف الزيادة على ذلك لمن يشاء.


الصفحة التالية
Icon