مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} قوله عز وجل: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ﴾ بمعنى فرض عليكم الصيام، والصيام من كل شيء الإمساك عنه، ومن قوله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً﴾ أي صمتاً، لأنه إمساك عن الكلام، وذم أعرابي قوماً فقال: يصومون عن المعروف ويقصون على الفواحش، وأصله مأخوذ من صيام الخيل، وهو إمساكها عن السير والعلف، قال النابغة الذبياني:

(خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما)
ولذلك قيل لقائم الظهيرة: قد صام النهار، لإبطاء الشمس فيه عن السير، فصارت بالإبطاء كالممسكة عنه، قال الشاعر:
(فدعها وسَلِّ الهمَّ عنك بجَسْرةٍ ذمولٍ إذا صام النهار وهجّرا)
إلا أن الصيام في الشرع: إنما هو إمساك عن محظورات الصيام في زمانه، فجعل الصيام من أوكد عباداته وألزم فروضه، حتى روي عن النبي ﷺ أنه قال: (يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّومَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِندَ اللهِ مَن رِيحِ المِسْكَ). وإنما اختص الصوم بأنه له، وإن كان كل العبادات له، لأمرين بَايَنَ الصومُ بِهِمَا سائِرَ الْعِبَادَاتِ: أحدهما: أن الصوم منع من مَلاَذِّ النفس وشهواتها، ما لا يمنع منه سائر العبادات. والثاني: أن الصوم سر بين العبد وربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنّعاً ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره.


الصفحة التالية
Icon