واختلفوا في تسمية المكان عرفة على أربعة أقاويل: أحدها: أن آدم عرف فيه حواء بعد أن أُهْبِطَا من الجنة. والثاني: أن إبراهيم عرف المكان عند الرؤية، لما تقدم له في الصفة. والثالث: أن جبريل عرَّف فيه الأنبياء مناسكهم. والرابع: أنه سُمِّيَ بذلك لعلو الناس فيه، والعرب تسمي ما علا (عرفة) و (عرفات)، ومنه سُمِّيَ عُرف الديك لعلوه. ﴿فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ والمَشْعَرُ المَعْلَمُ، سُمِّيَ بذلك، لأن الدعاء عنده، والمقام فيه من معالم الحج، وحد المشعر ما بين منى ومزدلفة مِنْ حَد مفضي مَأزمَي عرفة إلى محسر، وليس مأزماً عرفة من المشعر.
﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنها نزلت في قريش، وكانوا يسمون الحمس، لا يخرجون من الحرم في حجهم، ويقفون مزدلفة، ويقولون نحن من أهل الله، فلا نخرج من حرم الله، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، وهي موقف إبراهيم عليه السلام، فأنزل الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ يعني جميع العرب، وهذا قول عائشة، وعروة، ومجاهد، وقتادة. والقول الثاني: أنها أمر لجميع الخلق من قريش وغيرهم، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، يعني بالناس إبراهيم، وقد يعبر عن الواحد باسم الناس، قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران: ١٧٣] وكان القائل واحداً، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، وهذا قول الضحاك. وفي قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ تأويلان: أحدهما: استغفروه من ذنوبكم. والثاني: استغفروه مما كان من مخالفتكم في الوقت والإفاضة.