سُورَةُ الشُّورَى
حم عسق، (مَكِّيَّة)

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزَّ وجلَّ: (حم (١) عسق (٢)
قد بيَّنَّا حروف الهجاء، وجاء في التفسير أن هذه الحروفَ اسم من
أسماء اللَّه، ورويت حم سق - بغير عين - والمصاحف فيها العين بائنة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
وقرئت يُوحَى، وقرئت نُوحِي إِليك وإلى الذين من قبلك بِالنونِ (١).
وجاء في التفسير أن " حم عسق " قد أوحِيَتُ إِلى كل نَبِي قبلَ محمد - صلى الله عليه - وعليهم أجمعين.
وموضع الكاف من " كذلك " نصبٌ.
المعنى مثل ذلك يوحى إِليك.
فمن قرأ يوحِي بالياء، فاسم اللَّه عزَّ جل رفع بفعله وهو يُوحِي.
وَمَنْ قَرأَ. يُوحَى إليك فاسم اللَّه مبين عما لمَ يسم فاعله، ومثل هذا من الشعْرِ.
لِيُبْكَ يزيدٌ ضارِعٌ لخُصُومةٍ... ومُخْتبِطٌ مما تُطِيحُ الطَّوائِحُ
فبين من ينبغي أن يبكيه.
ومن قرأ نُوحي إليك بالتون جعل نوحي إخباراً عن اللَّه - عزَّ وجلَّ -.
ورفع (اللَّهُ) بالابتداء وجعل (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبراً عن (اللَّهُ)، وإن شاء كان
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿كَذَلِكَ يوحي﴾: القُراء على «يُوْحي» بالياء مِنْ أسفلَ مبنياً للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى. «والعزيزُ الحكيمُ» نعتان. والكافُ منصوبةُ المحلِّ: إمَّا نعتاً لمصدرٍ، أو حالاً مِنْ ضميرِه أي: يوحي إيحاءً مثلَ ذلك الإِيحاءِ. وقرأ ابنُ كثير - وتُروى عن أبي عمروٍ - «يُوْحَى» بفتحِ الحاءِ مبنياً للمفعول. وفي القائمِ مَقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: ضميرٌ مستترٌ يعود على «كذلك» لأنه مبتدأٌ، والتقدير: مثلُ ذلك الإِيحاءِ يُوْحَى هو إليك. فمثلُ ذلك مبتدأٌ، ويُوْحى هو إليك خبرُه. الثاني: أنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ «إليك»، والكافُ منصوبُ المحلِّ على الوجهَيْن المتقدِّمَيْن. الثالث: أنَّ القائمَ [مَقامَه] الجملةُ مِنْ قولِه: «اللَّهُ العزيزُ» أي: يُوْحَى إليك هذا اللفظُ. وأصولُ البَصْريين لا تساعِدُ عليه؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَه.
وقرأ أبو حيوةَ والأعمشُ وأبانٌ «نُوْحي» بالنون، وهي موافقةٌ للعامَّةِ. ويُحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ مِنْ قولِه: «اللَّهُ العزيزُ» منصوبةَ المحلِّ مفعولةً ب «نُوْحي» أي: نُوحي إليك هذا اللفظَ. إلاَّ أنَّ فيه حكايةَ الجملِ بغيرِ القولِ الصريحِ. و «نُوْحي» على اختلافِ قراءاتِه يجوزُ أَنْ يكونَ على بابه من الحالِ أو الاستقبالِ، فيتعلَّقَ قولُه: ﴿وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ﴾ بمحذوفٍ لتعذُّرِ ذلك، تقديرُه: وأوحَى إلى الذين، وأَنْ يكونَ بمعنى الماضي. وجيْءَ به على صورةِ المضارعِ لغَرَضٍ وهو تصويرُ الحالِ.
قوله: «اللَّهُ العزيزُ» يجوزُ أَنْ يرتَفِعَ بالفاعليةِ في قراءةِ العامَّةِ، وأَنْ يرتفعَ بفعلٍ مضمرٍ في قراءةِ ابنِ كثير، كأنه قيل: مَنْ يُوْحيه؟ فقيل: اللَّه، ك ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال﴾ [النور: ٣٦]، وقوله:
٣٩٦٤ لِيُبْكَ يزيدُ ضارِعٌ............
وقد مرَّ، وأَنْ يرتفعَ بالابتداءِ، وما بعدَه خبرُه، والجملةُ قائمةٌ مَقامَ الفاعلِ على ما مَرَّ، وأَنْ يكون «العزيزُ الحكيمُ» خبَريْن أو نعتَيْن. والجملةُ مِنْ قولِه: ﴿لَهُ مَا فِي السماوات﴾ خبرٌ أولُ أو ثانٍ على حَسَبِ ما تقدَّم في «العزيزُ الحكيمُ».
وجوَّز أبو البقاءِ أَنْ يكونَ «العزيز» مبتدأً و «الحكيمُ» خبرَه، أو نعتَه، و ﴿لَهُ مَا فِي السماوات﴾ خبرَه. وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ تَبَعيَّتُهما للجلالة. وأنت إذا قلتَ: «جاء زيدٌ العاقلُ الفاضلُ» لا تجعلُ العاقل مرفوعاً على الابتداء. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon