سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ
(مَكِّيَّة)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)
يعنى بالعاديات ههنا الخيل، وهذَا قسم جوابه: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).
وقوله: (ضَبْحًا).
معناه والعاديات تضبح ضبحاً، وضبحها صوت أجوافها إذا عَدَتْ.
* * *
(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)
إذا عدت الخيل بالليل وأصابت حوافرها الحجارة انقدح منها النيران.
* * *
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)
يعنى الخيل.
وجاء في التفسير أنها سَريَّة كانت لرسول الله - ﷺ - إلى
كندة.
* * *
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤)
النقع الغبارُ، فقال " بِهِ " ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دَليلٌ
عليه، المعنى فَأَثَرْنَ بمكان عَدْوِهَا نَقْعًا أَيْ غباراً.
* * *
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥)
القراءة (فَوَسَّطْنَ) أي فتوسطْنَ المكان.
ولو قال (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) لجازَتْ، إلا أنِّي لَا أعْلَمُ أحَداً قَرأ بها (١).
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿فَوَسَطْنَ﴾: العامَّةُ على تخفيفِ السينِ، أي: تَوَسَّطْنَ. وفي الهاءِ في «به» أوجهٌ، أحدُها: أنها للصبح، كما تقدَّم. والثاني: أنها للنَّقْعِ، أي: وَسَطْنَ بالنَّقْعِ الجَمْعَ، أي: جَعَلْنَ الغبارَ وَسْطَ الجمع، فالباءُ للتعدية، وعلى الأولِ هي ظرفيةٌ، الثالث: أنَّ الباءَ للحاليةِ، أي: فتوَسَّطْن مُلْتبساتٍ بالنقع، أي: بالغبار جمعاً من جموع الأعداء. وقيل: الباءُ مزيدةٌ، نقله أبو البقاء و «جَمْعاً» على هذه الأوجهِ مفعولٌ به. الرابع: أنَّ المرادَ ب جَمْع المزدلفةُ وهي تُسَمَّى جَمْعاً. والمرادُ أنَّ الإِبلَ تتوسَّطُ جَمْعاً الذي هو المزدلفةُ، كما مرَّ عن أميرِ المؤمنين رضي الله عنه، فالمرادُ بالجَمْعِ مكانٌ لا جماعةُ الناسِ، كقولِ صفية:
٤٦٢٦........... والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ......................
وقولِ بشرِ بنِ أبي خازم:
٤٦٢٧ فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجبٌ... تحت العَجابةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ
و «جَمْعاً» على هذا منصوبٌ على الظرف، وعلى هذا فيكونُ الضميرُ في «به»: «إمَّا للوقتِ، أي: في وقت الصبح، وإمَّا للنَّقْع، وتكونُ الباءُ للحال، أي: مُلْتبساتٍ بالنَّقْع. إلاَّ أنه يُشْكِلُ نَصْبُ الظرفِ المختصِّ إذ كان حَقُّه أَنْ يتعدى إليه ب» في «وقال أبو البقاء:» إنَّ جَمْعاً حالٌ «وسبقه إليه مكي. وفيه بُعْدٌ؛ إذ المعنى: على أنَّ الخيلَ توسَّطَتْ جَمْعٌ الناسِ.
وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ أعني التثقيلَ والتخفيفَ. وقال الزمخشري:»
التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: ﴿وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ [البقرة: ٢٥] وهي مبالَغَةٌ في «وَسَطْن» انتهى. وقولُه: «وهي مبالَغَةٌ» يناقِضُ قولَه أولاً «للتعدية»؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً آخر تقول: «ذَبَحْتُ الغنم» مخففاً ثم تبالِغُ فتقول: «ذَبَّحْتها» مثقلاً، وهذا على رأيِه قد جَعَله متعدياً بنفسِه بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon