﴿إِسْلاَمِهِمْ﴾ ﴿أَغْنَاهُمُ﴾ ﴿والآخرة﴾
(٧٤) - نَزَلَتْ هَذِهِ الايَةُ بِحَقِّ رَئِيسِ المُنَافِقِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَقَدِ اخْتَصَمَ غُلاَمٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمَا عَلَى المَاءِ فِي بَعْضِ الغَزَوَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لِلأَنْصَارِ: أَلاَ تَنْصُرُونَ أَخَاكُمْ؟ وَاللهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلٍ مُحَمَّدٍ إِلاَّ كَمَا قَالَ القَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ. وَقَالَ: (وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعْزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ).
فَسَعَى بِهَا غُلاَمٌ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إَلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَجَعَلَ يَحْلُفُ بِاللهِ مَا قَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ تَكْذِيباً لَهُ. وَفِيهَا عَدَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ قَدْ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ. كَمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ هَمَّ بِالفَتْكِ بِرَسُولِ اللهِ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ لِلْرَّسُولِ ﷺ مِنْ ذَنْبٍ عِنْدَ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ يَقْتَضِي مِنْهُمْ هَذِهِ الكَرَاهِيَةَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالإِسْلاَمِ، وَهَذِهِ الرَّغْبَةَ فِي الانْتِقَامِ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَغْنَاهُمْ بِبَرَكَةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ، وَيُمْنِ سَعَادَتِهِ بِمَا أَصَابُوا مِنَ الغَنَائِمِ. ثُمَّ دَعَاهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ مِنَ النِّفَاقِ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ سَيءِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، لأنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ. أَمَّا إِذَا أَصَرُّوا عَلَى مَسْلَكِهِمْ، وَرَفَضُوا التَّوْبَةَ فَإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا بِالقَتْلِ وَالهَمِّ وَالغَمِّ، وَيُعَذِّبُهُمْ فِي الآخِرَةِ بِالنَّكَالِ وَالهَوَانِ وَالصَّغَارِ وَالعَذَابِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مَنْ يَسْتَطِيعُ إِنْجَادَهُمْ وَنَصْرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعَذَابِهِ، وَدَفْعِ السُّوءِ وَالمَذَلَّةِ عَنْهُمْ.
مَا نَقَمُوا - مَا كَرِهُوا وَمَا عَابُوا شَيْئاً.