سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا... (١٨)﴾
قال ابن عرفة: إن قلت: ما وجه الربط بين هذه وبين قوله: (فِينَا)، قلت: أفاد الترتيب، تارة يكون للتعليم، وتارة يكون للاستخدام، فتربيته لنتخذه خديما فهذه نقمة، وتارة تكون نعمة، وهو أن يريه محبته وشفقته عليه، ولم يدخلها على ما بعد؛ لأنه يحنث عنه بالمخالفة، فإن قلت: ما أفاد قوله: (مِنْ عُمُرِكَ)، دلنا: لفظ العمر نعمة؛ لأنه مأخوذ من العمرى المذكورة في الفقه، فإنها هبة المنافع، وذلك نعمة، فإن قلت: هلا قال: ولبثت فينا من عمرك أعواما، فهو داخل في باب النعمة والامتنان، قلت: لفظ العمر تغني عنه.
قوله تعالى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩)﴾
الظاهر أن الكفر فيه الإيمان، وحكى الآمدي وابن الحاجب عن المعتزلة امتناع اتصاف النبي بالكفر قبل النبوة وبعدها عقلا، وجوز عليهم ذلك أهل السنة عقلا، قالوا: لكنه لم يقع، وزعم فرعون أنه وقع، وهذا لَا أذكره بمحضر العوام، وهكذا هنا فإن الله تعالى عاصم من يريد بنبوته من كل بدع، ومن بعض الصغائر، وهي صغائر [الخسة*] فما بال الكفر، وهذا على أصل مذهبه.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)﴾
قال سيبويه: (إِذًا) جواب وجزاء، قال ابن الصفار: فهم الشلوبين على أنه شرط وجواب، فأخذ الجزاء بمعنى الشرط، فقوله: إِذًا أكرمك، لمن قال: أنا أزورك، معناه: إن تزرني أكرمك، قال في هذه الآية معناه: إن كنت فعلتها فأنا ضال، فلزمه إثبات الضلال لموسى صلى الله على نبينا محمد وعليه وعلى آلهما وسلم، وأجاب: بأن المعنى قوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)، بالنعم فقال موسى عليه السلام: إن كنت كافرا بأنعمك فأنا ضال، أي جاهل بأن الوكزة تقتل القبطي، ورده ابن الصفار، بأن الكفر إذا ذكر مطلقا فهو ضد الإيمان، وإن أريد به [غيره*] قيد له، وكذلك إنما هو على هذا المعنى، ولو سلمناه ففيه عكس المعنى؛ لأنه إذا كان فعله ذلك كافرا بالنعمة عليه فليس من الضالين بل من المبين، وهذا [بناء*] على شرط وجواب، وقال: [لا يحتاج*] إلى هذا بل مراد سيبويه في (نعم) إنها عدة وتصديق، وذلك لَا يجتمع فيه بل هي تصديق لما مضى عدة في المستقبل، فقولك: نعم لمن قال: فعلت كذا تصديق، ولمن قال: افعله عدة، وكذلك إذا قال: أنا أزورك، فيقول: إِذًا أكرمك فهو جواب وجزاء، وإذا


الصفحة التالية
Icon