سُورَةُ الرَّحْمَنِ -جَلَّ جَلَالُهُ-
قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)﴾
قال ابن عطية: [هي مكية فيما قال الجمهور من الصحابة والتابعين. وقال نافع بن أبي نعيم وعطاء وقتادة وكريب وعطاء الخراساني عن ابن عباس: هي مدنية، نزلت عند إباية سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*]، قال ابن عطية: الأول أصح، وإنما نزلت حين قالت قريش بمكة (وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا)، قلت: وأظن ابن عرفة، قال عن بعضهم: أن سؤال سهيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، [يدل على*]: أنه أعجمي وليس عربي، قال ابن عرفة: وهذا تردد ويقابل بضرره، لأن سهيلا إنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الذي هو أفصح [الناس فكلمه به هو وعلي بن أبي طالب*] دليل على أنه عربي، فإنكار سهل له إما محض تعنت، وإما لأنه فهم عنهما أنهما ذكراه، وتقدمه [... ] عليه، فلذلك أنكر ما قالا، قال ابن عرفة: وذكروا أن الرحمن من المجاز الذي ليست له حقيقة، حسبما ذكره ابن الحاجب، [وقال*]: وفي استلزام المجاز حقيقة خلاف العكس المستلزم لو لم يستلزم [**العربي الوضع عن الفائدة]، الثاني: لو استلزم لكان نحو قامت الحرب على ساق وشابت له الليل حقيقة، وهو شريك الإلزام للزوم الوضع، والحق أن المجاز للمفرد، ولا مجاز في التركيب، ولو قيل: لو استلزم لكان نحو الرحمن حقيقة، [**ونحو عيسى كان قريبا]، ونص إمام الحرمين والأصوليون: على أنه مختص بالله تعالى لَا يوصف به غيره، ونص أبو [... ] في أجوبته، والفارسى في شرح الشاطيبة أن المختص بالله تعالى إنما هو مجموع (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال ابن عرفة: وما شبه ذكر هذه الأشياء بغير صفة الرحمن، وما يقولونه: من أن الوجود خير كله، والعدم شر كله، على أنه قد يرد عليه أن النار شر صورة، وهي شر لَا خير فيجاب عنه: بأنه إنما تضر لانعدام ضررها المعادل لها، وهو الماء والبرد، فالشر في انعدام ضدها لَا في نفس وجودها، فمن رحمة الله تعالى بالإنسان وإرادة الخير له أنه أوجده وعلمه القرآن، وأتت هذه مفصولة بغير حرف عطف، لأن كل جملة منها مستقلة بالدلالة على كمال قدرة الله تعالى وعظمته وجلاله بخلاف ما بعدها.
قوله تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)﴾