سُورَةُ الطَّلَاقِ
أكثر ما وقع في القرآن أن مخاطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصفاته، فقال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، وكذلك (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ)، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، وغير ذلك من الآيات، وما وقع التعبير عنه باسم العلَم، إلا في نحو خمس آيات، وهي قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)، وقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ)، وقوله تعالى: (وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)، وقوله تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، وسبب ذلك أن هذه الصفات ذكرت على سبيل المدح والتشريف، فلذلك كرر هنا ذكرها، والتصريح باسمه العلم إنما هو لتميزه عن غيره فقط، وعبر هنا بالنبي الذي هو أعم من الرسول ليعم الخطاب بحكم الطلاق له ولأمته، وعبر بـ إذا دون إن مع أن الطلاق مبغوض شرعا، لكن روعي فيه كثرة وقوعه في الوجود الخارجي، والمراد أردتم الطلاق، وليس في الآية ما يدل على إباحة الطلاق ولا عدم إباحيته.
قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... (١)﴾
أي لاستقبال عدتهن، والمطلقة في الحيض لَا تستقبل العدة؛ لأنها تمكث حتى تطهر، فحينئذ تبدأ بحسب العدة؛ بخلاف المطلقة في الطهر، فإنها تحسب بذلك الطهر فهي مطلقة في الزمن التي تستقبل فيه عدتها إثر الطلاق، وفيه دليل على منع الطلاق في الحيض، وهو مذهب مالك في جميع مسائل الفقه إلا في مسألة واحدة، وهي طلاق المولي إذا انقضى أمد الإيلاء وهي حائض، فاختلف قوله، فقال مرة: يطلق عليه الحاكم حينئذ، وقال مرة: يتربص حتى تطهر، فحينئذ يطلقها عليه، وهو مذهب ابن القاسم، وأما طلاق الحامل فعلى الاختلاف في دمها هل دم حيض أم لَا، قال مكي: ومعنى قوله تعالى: (لِعِدَّتِهِنَّ)، واعتيادهن، أي للأقراء التي اعتدتها ويرد باختلاف المادة، وإنما المعنى العدة أي للأقراء التي [يعدونها*] ويحسبونها، فإن قلت: يلزمك أن يكون عطف (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)، تكرار؟ قلت: المراد بالأول: العدة، وبالثاني: إحصاؤها، ويكون تأكيدا، أو أسند الطلاق إلى الرجال، والعدة إلى النساء؛ لأن طلاق العبد طلقتان، ولو كانت زوجته حرة، وعدة الأمة حيضتان ولو كان زوجها حرا.


الصفحة التالية
Icon