سُورَةُ (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)
ابن عرفة: يحتمل أن يكون الإنسان عاما استثنى منه الذين آمنوا وعملوا الصَّالِحَاتِ وبقي ما عداهم مسكوت عنه، أو يكون ذكر الكافر والطائع وبقي العاصي، أو يكون العاصي متصفا بالخسران؛ لأن مذهبنا وجوب إنفاذ الوعيد في طائفة من المؤمنين، أو يكون بالإنسان الكافر، والخسران في الدنيا، إما باعتبار الإقبال عليها إقبالا موصوفا بالخسران، وإما في الآخرة، فإِن قلت: لم كرر (تَوَاصَوْا) مع أن السورة قصيرة فالأصل فيها الاختصار؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: كان بعضهم يقول: سعادة الإنسان في قوتيه العلمية والعملية، قال (تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) راجع للقوة العلمية الاعتقادية، وهو معرفة الأحكام الشرعية بالأدلة والبراهين أو معرفتها تقليدا بناء على أن الحاصل علم، والتواصي بالصبر راجع للعمل، للحديث: " [حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ*] " وهما شيئان متغايران.
الثاتي: قال: وكان بعضهم يقول: الأمران راجعان للقوة العملية، لكن التواصي بالحق راجع لامتثال المأمورات، والتواصي بالصبر راجع لاجتناب الشبهات.
الثالث: قال الزمخشري: (تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) أي بالأمر الثابت الذي لَا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته، وتواصوا عن المعاصي والصبر على الطاعة وعلى البلاء.
وقوله: لَا يسوغ إنكاره، أي عقلا على مذهبه، قلت: وقيده من شيخنا ابن عرفة [... ].
* * *


الصفحة التالية
Icon