﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ فما النصرُ إلَّا من عندِكَ؛ لأنك سيدٌ، والسيدُ ينصرُ عبيدَه، وصرَّحَ بوصفهم بالكفر؛ لأنه الحاملُ على المبايَنَةِ، والداعي إلى المقاتَلَة، ولا يخفى ما في طلبِ ذلكَ من إرشادِ المؤمنِ إلى تركِ الكافرِ وموادَّتِه والإبعادِ عن مصادقِتِه، وفي الآية إشعارٌ بأن المعاداةَ في الدين مطلوبةٌ، وأن الهجرانَ في الله ليسَ من التقاطُع المذمومِ، بل وردَ في الحديث: عَدُّ البُغْضِ في اللهِ من الإيمانِ.
قال - ﷺ -: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِألفَيْ عَامٍ، فَأَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَلا تُقْرَأَانِ في دارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ" (١).
وقال - ﷺ -: "مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ" (٢).
وكانَ مُعاذٌ إذا ختمَ البقرةَ يقولُ: آمين (٣)، قالَ ابنُ عطيةَ: هذا يُظَنُّ به أنه رواهُ عن النبيِّ - ﷺ -، وإنْ كانَ ذلكَ، فكمالٌ، وإن كانَ بقياسٍ على سورةِ الحمدِ من حيثُ هناكَ دعاءً، وهنا دعاء، فَحَسَنٌ، والله أعلم (٤).
(٢) رواه البخاري (٤٧٢٢)، كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل سورة البقرة، ومسلم (٨٠٧)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه-.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧٩٧٦).
(٤) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (١/ ٣٩٥).