وأضافه إلى نفسه (١) بلفظ "الكلام" في قوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦]، فإنَّ الرسول يقول للمُرْسَلِ إليه ما أُمِرَ بقوله، فيقول: قلتُ له كذا وكذا، وقلتُ له ما أمرتني أن أقوله، كما قال المسيح: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٧]، والمُرْسِلُ يقول للرسول: قُلْ لهم كذا وكذا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١]، ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣]، ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠]، ونظائره. فإذا بلَّغَ الرسولُ ذلك صحَّ أن يقال: قال الرسول كذا وكذا، وهذا قول الرسول- أي: قاله مبلِّغًا-، وهذا قوله مبلِّغًا عن مُرْسِلِهِ. ولم يجئ في شيءٍ من ذلك: (تَكلَّمْ لهم بكذا وكذا)، ولا (تكلَّمَ الرسولُ بكذا وكذا)، ولا (إنَّه لكَلاَمُ رسولٍ كريمٍ)، ولا في موضعٍ واحدٍ، بل قيل للصدِّيق -وقد تَلاَ آيةً-: هذا كلامُك وكلامُ صاحِبِك، فقال: "ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي؛ هذا كلام الله" (٢).

فصل


الأمر الثالث- ممَّا تضمَّنَهُ قولُه: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾ [الواقعة: ٨٠]-: أنَّ ربوبيته الكاملة لخلقه تأبى أن يتركهم سُدَىً: لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ولا يرشدهم إلى ما ينفعهم، ويحذِّرُهم ممَّا
(١) من قوله: "بلفظ القول... " إلى هنا؛ ملحق بهامش (ز).
(٢) أخرجه: عبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" رقم (١١٦)، ومن طريقه البيهقي في "الاعتقاد" (١٠٨)، وفي "الأسماء والصفات" رقم (٥١٠)، والبخاري تعليقًا في "خلق أفعال العباد" رقم (٩٢)، وابن خزيمة في "التوحيد" (١/ ٤٠٤)، ومن طريقه: الأصبهاني في "الحجة" (١/ ٢٩١)، وغيرهم.
وذكر البيهقي له متابعةً، ثم قال: "وهذا إسنادٌ صحيح".


الصفحة التالية
Icon