فإن كان جملةً -وهو الصحيحُ- كان معناه: أنَّه عندَ أوَّلِ خَلْقِهِ قال له: "اكتُبْ"، كما في اللفظ [الآخَر] (١): "أوَّلَ ما خلقَ اللهُ القَلَمَ قال له: اكتُبْ" بنَصْبِ "أوَّلَ"، و "القَلَمَ".
وإن كان جملتين -وهو مرويٌّ بِرَفْع "أَوَّلُ" و"القَلَمُ"- فيتعيَّنُ حَمْلُهُ على أنَّه أوَّلُ [الـ] (٢) ـمخلوقاتِ من هذا (٣) العالم، لِيَتَّفِقَ الحديثان؛ إذ حديث عبد الله بن عمرو صريحٌ في أنَّ "العَرْشَ" سابقٌ على التقدير، والتقديرُ مقارِنٌ لخَلْقِ القَلَمِ، وفي اللفظ الآخر: "لمَّا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ قال له: اكتُبْ".
فهذا "القَلَمُ" أوَّلُ الأقلام، وأفضلُها، وأجلُّها. وقد قال غير واحدٍ من أهل التفسير إنَّه "القَلَمُ" الذي أقسَمَ الله -تعالى- به.

فصل


القلم الثاني: قَلَمُ الوحي، وهو الذي يكتب به وحي الله -عزَّ وجلَّ- إلى أنبيائه ورسله.
وأصحاب هذا "القَلَم" هم الحكَّامُ على العالَم، والعالَمُ خَدَمٌ لهم، وإليهم الحَلُّ والعَقْدُ، والأقلامُ كلُّها خَدَمٌ لأقلامهم.
وقد رُفِعَ النبيُّ - ﷺ - ليلةَ أُسْرِيَ به إلى مُسْتَوىً يَسْمَعُ فيه صَرِيفَ الأقلام (٤). فهذه الأقلامُ هي التي تكتُبُ ما يُوحيه الله -تبارك وتعالى-
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) زيادة يقتضيها الكلام.
(٣) في (ز) و (ن) و (ك) و (ح) و (ط): هذه، وما أثبته من (م).
(٤) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٣٤٩ و ٣٣٤٢)، ومسلم في "صحيحه" =


الصفحة التالية
Icon