رأَيتَ جليلاً شَأْنُهُ وهْوَ مُرْهَفٌ (١) ضَنَىً، وسمِينًا خَطْبُهُ وهْوَ هازِلُ (٢)

فصل


والمُقْسَمُ عليه بالقَلَم والكتابة في هذه السورة تنزيهُ نبيِّه ورسولِهِ - ﷺ - عمَّا يَقول فيه أعداؤه، وهو قوله تعالى: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾ [القلم: ٢].
وأنتَ إذا طابَقْتَ بين هذا القَسَم والمُقْسَم به وجدتَه دالاًّ عليه أظْهَرَ دلالةٍ وأَبْيَنَها، فإنَّ ما سطَّر الكاتِبُ (٣) بالقَلَمِ من أنواع العلوم التي يتلقَّاها البشر بعضهم عن بعضٍ لا تَصْدُرُ من مجنونٍ، ولا تصدر إلا ممَّن (٤) له عقْلٌ وافِرٌ، فكيف يصْدُرُ ما جاء به الرسولُ من هذا الكتاب الذي هو في أعلى درجات العلوم! بل العلوم التي تضمَّنَها ليس في قُوَى البَشَر الإتيانُ بها، ولاَسِيَّما من أُمِّيٍّ لا يقرأ كتابًا، ولا يَخُطُّهُ بيمينه، مع كونه في أعلى أنواع الفصاحة، سليمًا من الاختلاف، بريًّا من التناقض، يستحيل من العقلاء كلِّهم لو اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ أن يأتوا بمثله، ولو كانوا على عقْلِ رجلٍ واحدٍ منهم، فكيف يَتَأتَّى (٥) ذلك من مجنونٍ لا عقْلَ له يُمَيِّزُ به ما عسى كثيرٌ من الحيوان أن يُمَيِّزَهُ، وهل هذا إلا من أقبح البهتان (٦)، وأظهر الإفك.
(١) في (ز) و (ن) و (ك) و (ط): مُرْهَقٌ.
(٢) كذا في جميع النسخ، وفي الديوان: ناحِلُ.
(٣) في (ز): الكتاب.
(٤) في (ن): مَنْ، وفي (ح) و (م): مِن عقلٍ.
(٥) في (ز) و (ن) و (ك) و (ط): يأتي.
(٦) في جميع النسخ: الهيآت، وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon