فصل (١)


ومن ذلك قوله -تعالى- في قصة لوط عليه السلام، ومراجعة قومه له: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)﴾ [الحجر: ٧٠ - ٧٢].
أكثر المفسِّرين من السَّلَفِ والخَلَف -بل لا يُعْرَفُ عن (٢) السلف فيه نزاعٌ- أنَّ هذا قَسَم من الله بحياة رسوله - ﷺ - (٣). وهذا من أعظم فضائله؛ أنْ يُقْسِم الرَّبُّ -عزَّ وجلَّ- بحياتِه، وهذه مزيَّةٌ لا تُعْرَفُ لغيره.
ولم يُوَفَّق الزمخشريُّ [ز/١٥٣] لذلك، فصَرَفَ القَسَمَ إلى أنَّه بحياةِ لوطِ عليه السلام، وأنَّه من قول الملائكة له، فقال: "هو على إرادة القول، أي: قالت الملائكة للوط- عليه الصلاة والسلام-: لَعَمْرُك إنَّهم لَفِي سكرتهم يعمهون" (٤).
(١) هذا الفصل. برُمَّته نقله القاسمي في "محاسن التأويل" (٤/ ٤٩٣ - ٤٩٤)، معزوًّا إلى ابن القيم في "أقسام القرآن".
(٢) في جميع النسخ: في، وما أثبته أحسن.
(٣) وممن نقل الاجماع على ذلك: ابن العربي في "أحكام القرآن" (٣/ ١١١٨)، والقاضي عياض في "الشفا" (١/ ١١٣)، وعنهما القرطبي في "الجامع" (١٠/ ٣٩).
(٤) "الكشاف" (٢/ ٥٤٧).
وانتصر لهذا القول: ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (٣/ ١١١٨)، فقال: "قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله هنا بحياة محمد - ﷺ -؛ تشريفًا له؛ إنَّ قومَهُ من قريش في سكرتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون... ثم قال: وهذا كلامٌ صحيحٌ؛ ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد، =


الصفحة التالية
Icon