قيل: فإنّ النبي عليه السلام قد كتب إلى أهل الحرب: "بسم الله الرحمن الرحيم"؟ قال: إنما ذلك ابتداء، يدعُوهُم ولم ينبذُ إليهم، ألا تراه يقول" "سَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى"، فمن دعي إلى الله فأجاب، ودعي إلى الجزية فأجاب: فقد اتبع الهدى، وأمّا النبذ: فإنما هو البراءة واللعنة، وأهل الحرب لا يسلم عليهم، ولا يقال: لا تفرق ولا تخف، ومترس ولا بأس: هذا أمان كله.
وقيل: سورة الأنفال والتوبة سورة واحدة، كلتاهما نزلت في القتال، تعدّان السابعة من الطول، وهي سبع، وما بعدها المئون، وهذا قول ظاهر، لأنهما معاً مئتان وست، فهما بمنزلة إحدى الطول. وقد اختلف أصحاب رسول الله ﷺ فقال؛ بعضهم: الأنفال وبراءة سورة واحدة. وقال بعضهم: هما سورتان، فتركت بينهما فرجة لقول من قال: هما سُورتان، وتركت (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لقول من قال: هما سورة واحدة.
[(بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكفِرِينَ) ١ - ٢]
(بَراءَةٌ) خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه براءة، (ومِنَ) لابتداء الغاية، مُتعلق بمحذوف وليس بصلة، كما في قولك: برئت من الدين، والمعنى: هذه براءة واصلة من الله ورسوله (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ)، كما يقول: كتاب من فلان إلى فلان.
ويجوز أن يكون (بَراءَةٌ) مبتدأ لتخصيصها بصفتها، والخبر: (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ)، كما تقول: رجل من بني تميم في الدار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: (قيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم): يعني: اعترضوا على ابن عيينة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (متعلق بمحذوف وليس بصلة): أي: ظرف مستقر، وليس لغواً، كما في قولهم: برئت من الدين، فإنه صلة.