القول في سورة هود
﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ (١) [هود: ١] يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، إذ ظاهره تراخي التفصيل عن وقت إنزاله؛ لأن (ثم) تقتضي التراخي، ويحتمل أنها لمجرد العطف كالواو أو تنبيها على تعظيم المنة أو العناية بالتفصيل كما تقول: أطعمت فلانا ثم كسوته وآويته، ثم زوجته، ونحو ذلك فلا يدل على المدعى.
﴿أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ (٢) [هود: ٢] فيه إثبات التوحيد والنبوة، وسيأتي برهانه إن شاء الله عز وجل.
﴿وَأَنِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (٣) [هود: ٣] هكذا هو الترتيب الطبيعي، أن يستغفر مما فعل، ثم يتوب عن أن يفعل، إذ الاستغفار طلب المغفرة لما وقع، والتوبة: العزم على ألا يوقع شيئا من الذنوب بعده.
ولما قدم التوبة على الاستغفار في قوله-عز وجل-: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٧٤) [المائدة: ٧٤] لم يعطف/ [٢٣٠/ل] الاستغفار، ثم لهذا المعنى ﴿*وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ (٦) [هود: ٦] يحتج به على أن عموم الرزق من الله -عز وجل-حلاله وحرامه، خلافا للمعتزلة فيه كما سبق في أول «البقرة».
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [هود: ٧] هذا يحتج به من رأى العرش سريرا أو جرما مستعليا بالجملة، ونفي تفسيره بالملك أو نحوه مما تأوله نفاة الاستواء؛ إذ لا يصح أن يقال:
وكان ملكه على الماء.
وقد جاء في الحديث: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟