القول في سورة النحل
﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ (١) [النحل: ١] أي قرب وسيأتي، فنزل المستقبل لقربه منزلة الماضي لتحقق وقوعه في علمه.
﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ (١) [النحل: ١] فيه ذم الشرك ونفيه وإثبات التوحيد.
﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ (٢) [النحل: ٢] فيها إثبات عموم النبوة والتوحيد خلافا للبراهمة في النبوة فإنهم نفوها، محتجين بأن العقل كاف فيما ينبغي أن يستعمله المكلف؛ لأنه/ [١١٦ ب/م] يأتي الحسن ويجتنب القبيح، ويحتاط في المشتبه بفعل أو ترك، فالأنبياء إما أن يأتوا على وفق العقل، فلا حاجة معه إليهم، أو على خلاف العقل، فلا التفات إليهم.
وجوابه: أن هذا مبني على التحسين والتقبيح العقلي، وهو ممنوع، وبتقدير تسليمه لا نسلم أن العقل يستقل بجميع ما ينبغي خصوصا في حقوق الإله-عز وجل-فلا بد له من معين على معرفة ما لا يستقل به من مصالح المعاش والمعاد وكيفية شكر المنعم والتعبد له وتعريف المقدرات ونحو ذلك، وحينئذ لا نسلم أنهم إن جاءوا على وفق العقل لا حاجة إليهم؛ لجواز أن يعرفوه بعض ما يخفى عليه مما ينبغي له، أو يؤكدوا حكمه بحكمهم، ودليلان أقوى/ [٢٤٩/ل] من دليل واحد، ولا نسلم أنهم إن جاءوا على خلافه لا يلتفت إليهم؛ لجواز أن يخالفوه فيما يخفى عنه كما مر، على أن ذلك في نفس الأمر فرض محال لإجماع الناس على أن الشرع لا يأتي بخلاف العقل في نفس الأمر، وإنما يأتي بما يقصر عن إدراكه العقل كتفضيل بعض الأمكنة والأزمنة على بعض لأسرار خفيت عنه، وكوجوب صوم آخر يوم من رمضان وإفطار الذي بعده، ونحو ذلك ومع البراهمة كلام أبسط من هذا.
وخلافا لبعض المتصوفة حيث زعموا أن الرسل سوى الله، وكل سوى الله حجاب عن الله-عز وجل-فالرسل حجاب عن الله-عز وجل-فلا حاجة بالخلق إليهم، وهذا من هؤلاء إما جهل ظاهر، وفساد عقل أصابهم من غلبة الرياضة عليهم، أو زندقة خفية وإلحاد غلب عليهم من نظر فاسد. وأيسر ما يجابون به أن كبرى قياسهم ممنوعة الكلية، وهو كاف في فساد قياسهم، فإن الرسل وسيلة إلى معرفة الله-عز وجل-والوصول