القول في سورة مريم
﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ اِمْرَأَتِي عاقِراً﴾ [مريم: ٥] اعترض به الشيعة على الحديث الصحيح المشهور أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» (١) قالوا: لأن زكريا نبي وقد سأل أن يوهب له وارث فوهب له يحيى، فورثه، وهو يقتضي أن الأنبياء يورثون فيكون الحديث المذكور متروكا لوجوه:
أحدها: أنه خبر واحد وهو عندهم غير معتبر.
الثاني: أنه على خلاف نص القرآن القاطع فلا يقبل.
الثالث: أن العباس وعليا وفاطمة نازعوا أبا بكر في روايته إياه كما ثبت في الصحيحين.
الرابع: أنه متناقض في نفسه، لأنه ثبت في الصحيح أن عليا والعباس سمعاه من النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم إنهما مع ذلك جاءا يطلبان الإرث من أبي بكر، ولو كانا سمعا لما طلباه من أبي بكر، ثم من عمر بعده، إذ كان معنى ذلك منهما حينئذ أعطونا إرث من لا يورث، وهو خلف من القول، لا ينسب إلى رعاة الإبل، فضلا عن العباس وعلي في علمهما وفضلهما وسؤددهما.
وأجاب الجمهور عن الأول: خبر/ [٢٨٢/ل] الواحد عندنا حجة، وعن الثاني بأن زكريا إنما ورث العلم لا المال، فلا يكون الخبر مخالفا للنص، وعن الثالث: لا نسلم أنهم نازعوا أبا بكر-رضي الله عنه-سلمناه لكنهم نازعوه أولا لعدم علمهم بالخبر، فلما أثبته لهم بكثرة من رواه من الصحابة كعمر، وعثمان، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وأبي هريرة، وعائشة-رضوان الله عليهم-قبلوه وسلموا له، وعن الرابع: بأنهما نسيا الرواية فلما ذكّرا ذكرا فتركا المطالبة وحينئذ لا تناقض.
ويشكل على هذا أنه لو كان كذلك لما كررت فاطمة مطالبة أبي بكر مرارا، ولما طلبه العباس وعلى عمر بعد أبي بكر، ثم لما منعهما واحتج عليهما بالحديث رأياه [كاذبا آثما] كما رواه مسلم من حديث مالك بن أوس بن الحدثان البصري.
﴿يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اِسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ (٧) [مريم: ٧] يحتج به من رأى الاسم المسمى مع قوله بعد ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] فنادى الاسم فدل على/ [١٣٣ أ/م] أنه


الصفحة التالية
Icon