القول في سورة النمل
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ (٤) [النمل: ٤] نسب تزيين الكفر إليه؛ فيحتج به الجمهور.
وأجاب المعتزلة: بأن ذلك جزاء على عدم إيمانهم لا ابتداء، وقد عرف. وجوابه:
﴿فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ (٨) [النمل: ٨] احتج بها الاتحادية على أن الله-عز وجل-يظهر في المظاهر؛ لأنه هاهنا ظهر لموسى في النار، ولذلك قال: ﴿فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ (٨) [النمل: ٨] مجد نفسه التي في النار، وبارك على موسى الذي هو حولها، ولأنه أخبر أن في النار من يعبر عنه بمن في قوله: ﴿فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ (٨) [النمل: ٨]، ولا نعلم قائلا بأنه كان فيها ملك ولا جان ولا إنس؛ فتعين أنه هو الذي كان فيها.
والجمهور عندهم أن هذا لو صح لكان إما على جهة الاتحادية أو الحلول، وكلاهما باطل تبرهن بطلانه عندهم.
﴿وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (١١) [النمل: ١٠، ١١] قيل: هو استثناء منقطع. [وقيل: متصل، فاحتج به من يرى جواز الظلم ونحوه من الأنبياء.]
﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ (١٦) [النمل: ١٦] احتج به الشيعة على أن الأنبياء يورثون؛ ليبطلوا الحديث المشهور عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنا معاشر الأنبياء، لا نورث ما تركنا صدقة» (١) أخرجاه في الصحيحين وغيرهما، وجه احتجاجهم منه قوله-عز وجل-في داود: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾