القول في سورة الروم
﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (٤) [الروم: ٤] يحتج به القائلون بقدم القرآن بناء على أن الأمر هو القرآن. ومعنى ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (٤) [الروم: ٤] أي:
من قبل كل شيء وبعد كل شيء، فانتظم الدليل هكذا: القرآن هو الأمر والأمر ثابت لله- عز وجل-قبل كل شيء وبعده، فالقرآن ثابت لله قبل كل شيء وبعده.
واعترض عليه بأن الأمر لفظ مشترك، والمراد به هاهنا الحكم والتصرف الذي به غلبت الروم وغلبت، نحو ﴿قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ﴾ (٣٣) [النمل: ٣٣] أي التصرف، سلمناه لكن المراد بمن قبل أي: من قبل غلبهم وبعده، وذلك لا يدل على القدم.
وهب أن المراد قبل كل شيء، لكن ذلك ليس هو الأزل؛ لأن العالم حادث، وقبل حدوثه بلحظة يصدق أنه قبل كل شيء، اللهم إلا أن يعتقدوا قدم العالم فيكون الأمر المذكور قبله بالذات لا بالزمان كما زعمت الفلاسفة في قدم الصانع على العالم، لكنهم لا يقولون بذلك.
﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (١١) [الروم: ١١] فيها الإخبار بالبعث ودليله [بعده بيسير] يذكر إن/ [١٥٨ أ/م] شاء الله-عز وجل.
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ (١٢) [الروم: ١٢] هاهنا وفى آخر السورة إخبار بقيامها وذكر بعض أحكامها مما ذكر، وسيذكر إن شاء الله، عز وجل.
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ (١٩) [الروم: ١٩] فيه دليلان على إمكان البعث والمعاد؛ أحدهما قياس إخراج الموتى من الأرض على إخراج الحي من الميت، ونظمه هكذا: البعث إخراج حي من ميت، وهو ممكن، وكل ممكن مقدور فالبعث مقدور.
أما أن البعث إخراج حي من ميت فلأن الأرض والرمم موات يخرج منها الناس أحياء، وإنما قلنا: إن ذلك ممكن لأنه لا يلزم منه محال لذاته، وقياسا على إخراج الحيوان الحي من حيوان ميت، وهو كثير مشاهد في بني آدم وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon