القول في سورة سبأ
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ (٣) [سبأ: ٣]، فيه إنكار البعث من الكفار، وإثباته عليهم بقوله:
﴿عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ: ٣].
وبيانه: أنه عالم بكل شيء، فهو يعلم أجزاء الموتى المنحلة إليها أجسادهم، ثم إذا أراد بعثهم/ [١٦٣ ب/م] ضم تلك الأجزاء بعضها إلى بعض، فعادوا كما كانوا أول مرة.
﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (٤) [سبأ: ٤] بيان لغاية البعث وعلته الحكيمة، وحكمته العلية، فإذا مبنى البعث على العلم لجمع الأجزاء والقدرة لنظمها وتأليفها كما كانت.
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (٧) [سبأ: ٧] هذا إنكار آخر منهم استغنى عن جوابه بجواب الأول.
﴿أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾ (٨) [سبأ: ٨] احتج به الجاحظ على أن بين الصدق والكذب واسطة، وهى الجنة التي ادعوها، إذ ليست صدقا قطعا ولا كذبا لمقابلتها الكذب، فلزم أنها واسطة بينهما لا صدقا ولا كذبا، وقد اختلف في الصدق والكذب؛ فقيل: هما الخبر المطابق واللا مطابق مطلقا فعلى هذا لا واسطة بينهما؛ لأن الخبر إن طابق فصدق، وإلا فكذب، وقيل: إن طابق فصدق وإن لم يطابق، فإن علم المتكلم بعدم مطابقته فكذب، وإن لم يعلم فخطأ لا كذب، وهذا الاصطلاح وعليه الآية، لأنهم نسبوه إلى أنه أخطأ في إخباره عن البعث عن غير عمد للكذب فصار في خطئه كذي الجنة، لا يدري ما يقول.


الصفحة التالية
Icon