القول في سورة الحجرات
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (١) [الحجرات: ١] أي لا تسبقوه بالرأي والكلام، وسبب الآية يدل عليه، وهو تنازع أبي بكر وعمر [كرم الله وجوههما] في تولية الأقرع بن حابس أو القعقاع بن عمرو.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ (٢) [الحجرات: ٢]، فيه احترام النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوقيره وحبوط العمل بالتفريط في حسن الأدب معه/ [١٨٨ أ/م]، وهذا مستمر بعد موته كحال حياته، بلغ أبلغ.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ (٦) [الحجرات: ٦] اعلم أن الناس إما معلوم العدالة فيقبل خبره، أو معلوم الفسق فلا يقبل خبره، أو مجهول الحال فيقبل خبره، أبو حنيفة دون الشافعي، ظاهر هذه الآية مع أبي حنيفة؛ لأنه أمر بالتبيين والتثبت عند خبر الفاسق. ومفهومه أن عند غيره لا يجب ذلك بل يقبل، وذلك يتناول القسمين الآخرين كأنه قال: إن أخبركم فاسق فتبينوا وإلا فاقبلوا. ولعل مأخذ الخلاف أن شرط قبول الخبر العلم بعدالة الراوي، فلا يقبل خبر [المجهول لعدم العلم بعدالته، أو عدم العلم بفسقه فيقبل خبر المجهول] إذ ليس معلوم الفسق، وهو ظاهر الآية كما قلنا، ثم يتفرع على هذا قبول المرسل: وهو ما سقط من إسناده راو تابعي عند المحدثين ومطلق عند غيرهم؛ لأن الراوي الذي سقط ذكره مجهول والخلاف والأحوط أن لا يقبل.
﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ (٧) [الحجرات: ٧] فيه إثبات تصرف الله-عز وجل-في القلوب وتقليبها، وأنه يحبب إليها ما يشاء فتحبه/ [٣٩١/ل] فتقبل عليه، ويكره إليها ما يشاء فتكرهه فتعرض عنه، ويترتب على ذلك خلق الأفعال، ومذهب [الجمهور في الكسب] والجبر.