القول في سورة الجن
﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ﴾ [الجن: ٢] يدل على أن في الجن مسلمين مؤمنين بالقرآن موحدين؛ لقولهم: ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً﴾ (٢) [الجن: ٢].
﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً﴾ (٧) [الجن: ٧] يشير إلى أن في الجن من ينكر البعث كالكفار من الإنس.
﴿وَأَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً﴾ (٨) [الجن: ٨] ظاهرها أنهم في استراق السمع يبلغون السماء مباشرين لها بأجسامهم لمسا ونحوه، ويحتمل أن المراد كشفنا طريق السماء فوجدناه قد سد على مسترقي السمع، وفيه أن الحرس غير الشهب؛ لأن عطف أحدهما على الآخر يقتضي ذلك، فالحرس ملائكة والشهب نجوم، فيشبه أن الملك يرمي الشهاب رمي الجندي بالنشاب. وفيه حكاية مأثورة تقتضي ذلك.
﴿وَأَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَداً﴾ (١١) [الجن: ١١] يقتضي انقسام الجن إلى صالح وأصلح، أو إلى صالح وطالح كالإنس.
﴿وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ (١٥) [الجن: ١٥] يحتج بها الشيعة [أبعدهم الله من رحمته] على معاوية ومن شايعه على قتال علي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره بقتال المارقين وهم الخوارج، والناكثين وهم أهل الجمل، والقاسطين وهم معاوية وأصحابه، فإذن هؤلاء القاسطون بالحديث/ [٤٣١/ل]، والقاسطون حطب جهنم بالآية، فهؤلاء حطب جهنم.
وأجاب الجمهور: بأنا لا نسلم صحة الحديث، ولا أن معاوية كان من/ [٢٠٩ أ/م] القاسطين، ولو سلمناه، لم نسلم عموم الآية في كل قاسط، بل هي لقاسطين معهودين من الجن أو غيرهم.
﴿وَأَنْ لَوِ اِسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً﴾ (١٧) [الجن: ١٦، ١٧] يدل على أن النعمة قد تكون سبب الفتنة، وأن الله-عز وجل-يقصد الفتنة بالنعمة، وهو الاستدراج [كما سبق].