القول في سورة المزمل
﴿إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (٥) [المزمل: ٥] يحتمل أن المراد ثقيل على الكفار طاعته والإيمان به، أو ثقيل على المكلفين امتثاله، أو يخلق الله-عز وجل-عند نزوله ثقلا، كما روي أن سورة الفتح لما نزلت مرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية كادت قوائم ناقته تندق من تحته لثقل ما أنزل عليه، وربما احتج بظاهره من يقول بخلق القرآن؛ لأن الثقيل ذات قام بها الثقل، [وكل ذات قام بها الثقل]-جسم؛ فالقرآن جسم، وكل جسم مخلوق. لكن هذا سفسطة ومكابرة للحس والضرورة، فلا يستحق جوابا.
﴿إِنّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً﴾ (١٦) [المزمل: ١٥، ١٦] هذا هو المثال المشهور في لام العهد، وهو رجوع المعرف إلى منكر سابق. وقد حكى ابن الخشاب عن بعض أهل العلم: أن اللام إن كان هناك معهود تعينت له وإلا فهي للجنس.
﴿* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاِسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢٠) [المزمل: ٢٠] أي: بما أحكمه وأتقنه من دوران الفلك ومجاري النجوم فيه، وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل، وأخذ أحدهما من الآخر.
واعلم أن الليل والنهار هما الزمان؛ لقول الشاعر:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها … وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
فينتظم قياس هكذا: الليل والنهار هما الزمان، والله-عز وجل-يقدر الليل والنهار؛ ينتج من الشكل الرابع: الله-عز وجل-هو يقدر الزمان، وحينئذ يكون الزمان مخلوقا، وكل مخلوق حادث، فالزمان حادث؛ خلافا للفلاسفة في قدمه، وقد سبق القول عليهم في ذلك.