مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلِّي على من أرسله الله رحمةً للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:فقد أنزل الله - عز وجل - القرآن الكريم حياةً للقلوب والأرواح، وفرض تدبُّره فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)﴾ [سورة ص: ٢٩].
والتدبّر المطلوب يكون بإمعان النَّظر والتفكر في الآيات، والربطِ بينها للوصول إلى معرفة المراد منها، ومن ثَمَّ ينتج العمل بها.
وقد جعل الله في القرآن الكريم علم الأوَّلين والآخِرين، يناله من رُزق فهمه والوقوف على معانيه، لذا أفنى العلماء أعمارهم في تفسيره وبيان أحكامه وحكمه، وسلكوا لذلك طرقًا أحسنها: تفسير القرآن بالقرآن نفسِه، فأفاضوا في بيان تفسير القرآن بالقرآن، وصنَّفوا فيه كثيرًا من المصنفات، ولعل الاهتمام الذي حظي به هذا النوع من التفسير كان منصبًا على ما كان بيانه خفيًا، أو واضحًا منفصلًا، ومعلومٌ أن من التفسير ما يكون بيانه واضحًا متصلًا، وأحسب هذا النوعَ لم يلق حظًا كافيًا من الدِّراسة والتَّنظير في كتب أهل العلم؛ لجلائه ووضوحه، غير أنِّي رأيت أهمية تناول هذا الموضوع بالتأصيل والتَّقعيد للحاجة إليه، لاسيما مع تنوُّع مشارب أهل التفسير، ودخول أهل البدع والأهواء فيه، إذ لم يألُوا جهدًا في استغلال الآيات وتطويعها لخدمة مذاهبهم، ومن ذلك استغلالهم لهذا النَّوع من التفسير.
ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الذي جعلت عنوانه: (التفسير بالبيان المتَّصل -دراسة نظرية تأصيلية-)، بهدف بيان المراد منه، وأصول هذا النوع من التفسير، وأهميته، والضوابط التي تحكمه، والتنبيه لما يرد فيه من لبس وخطأ وانحراف.