الآية (١٩)
* قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [سبأ: ١٩].
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [(فَقَالُوا رَبَّنَا بَعِّدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) وَفِي قِرَاءَةٍ سَبْعِيَّةٍ: ﴿بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ إِلَى الشَّامِ اجْعَلْهَا مَفَاوِزَ].
{(المفاوزُ) جَمْع مَفازة، وهي الأراضِي التي يُخشَى فيها من الهَلاكُ، وسُمِّيَت مَفازة من باب التَّفاؤُل، ولكن في الحقيقة ما هي مَفازة، بل هي هَلاك ومَهلَكة، لكن العرَب تُطلِق الشيء على ضِدِّه تَفاؤُلًا كما قالوا في الكَسير: إنَّه جَبير. فهذا أيضًا مِثْلها، يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في تفسير: ﴿بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾: [اجْعَلْهَا مَفَاوِزَ؛ لِيَتَطَاوَلُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ بِرُكُوبِ الرَّوَاحِلِ وَحَمْلِ الزَّادِ وَالمَاءِ فَبَطِرُوا النِّعْمَةِ] لمَّا كانَتِ القُرى ظاهِرةً ومُتقارِبةً ولا يُحتاج فيها إلى حَمْل زاد وماء صار فيها الفُقراءُ والأغنياءُ على حَدٍّ سواءٍ، كلٌّ مُنعَّم في هذه الطرُقِ، فإذا تَباعَدت صار ذلك من حَظِّ الأغنياء، فسَأَلوا الله تعالى أن يُباعِد بين أَسفارِهم من أَجْل أن يَتَطاوَلوا على فُقَرائهم، فهؤلاءِ الأَغْنياءُ يَركَبون الإبِلَ، ويَحمِلون ما شاؤُوا من الزاد، وأمَّا الفُقَراء فلا يَستَطيعون ذلك، هذا هو السبَبُ في أنهم دعَوُا الله تعالى أن يُباعِد بين أسفارِهم.


الصفحة التالية
Icon